الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٩٦
الصبح غسلا، فقلت لعبد الرحمن: أعن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ.
قال علي: فهذا عبد الرحمن يحكي أنها أمرت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستجز أن يقول: ومن يأمر بهذا إلا النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما في حياته عليه السلام، وإنما أقدم على القطع في هذا، من قل فهمه، ورق ورعه، واشتغل بالقياسات الفاسدة، عن مراعاة حديث النبي صلى الله عليه وسلم وألفاظ القرآن.
وقد قال بعضهم: إذا جاء عن صاحب فتيا من قوله، إلا أن فيها شرع شريعة أو حدا محدودا، أو وعيدا، فإن هذا مما لا يقال بقياس، ولا يقال إلا بتوقيف فاستدل بذلك على أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال علي: وقائل هذا القول الساقط يقر أنهم رتبوا في الخمر ثمانين برأيهم، وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك، ونحن نجد أنهم رضي الله عنهم قالوا بكل ما ذكرنا بآرائهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وبعد موته، فقد قال طائفة من الصحابة: حبط عمل عامر بن الأكوع، إذ ضرب نفسه بسيفه في الحرب، فأكذب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وعمر قد قال: دعني أضرب عنق حاطب فقد نافق، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ذلك، وفي قول عمر الذي ذكرنا إيجاب شرع في ضرب عنق امرئ مسلم، وإخبار بغيب في أنه منافق، ومثل هذا كثير مما سنذكره في باب إبطال التقليد إن شاء الله تعالى. وكل هذا فقد يقوله المرء مجتهدا متأولا ومستعظما لما يرى فمخطئ ومصيب.
وإن العجب ليكثر ممن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل ما ذكرنا بظنه الفاسد، وينكر أن يكون عليه السلام جلد ماعزا، وقد صح عنه عليه السلام الحكم بالجلد على المحصن مع الرجم، ونزل القرآن بجلد الزناة كلهم، وقد ذكر أبو هريرة حديث النفقة على الزوجة والولد والعبد، فقال في آخره: تقول امرأتك أنفق علي أو طلقني، فقيل له: أهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: لا ولكن هذا من كيس أبي هريرة.
والعجب من القائل: إن مثل هذا لا يقال بالقياس، نعني في مثل قول عائشة
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258