قال علي: أما كثرة الرواة فقد قدمنا إبطال الاحتجاج بها، لأنهم يتركون أكثر ما نقله أهل الأرض - برهم وفاجرهم - وهو ظاهر القرآن لما نقله واحد، فكيف يجوز لمن فعل ذلك أن يغلب ما نقله ثلاثة على ما نقله واحد؟
وليس في التناقض وقلب المعقول أكثر من هذا، وأما الأحاديث التي ذكروا فلا حجة لهم فيها، وبعضها حجة عليهم.
أما حديث أبي بكرة فقد نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك نصا وقال له:
زادك الله حرصا ولا تعد فنهاه عن العودة إلى التكبير خلف الصف وحده، ولم يأمره عليه السلام بإعادة الصلاة. قال قوم: لان أبا بكرة جهل الحكم في ذلك قبل أن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن فعله ذلك لا يجوز، فأعلمه بنهيه إياه عن أن يعود لذلك كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أساء الصلاة في حديث رافع بالإعادة مرة بعد مرة، فلما قال له: يا رسول الله، والله ما أدري غير هذا فعلمني، فعلمه، ولم يأمره حينئذ الإعادة، ولو أن أبا بكرة يعود لما نهاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبطلت صلاته بلا شك، لأنه كان يكون مؤديا لصلاة لم يؤمر بها غير الصلاة التي أمر بها بحكم ضرورة العقل، وقد قال عليه السلام: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
والذي نقول به، وبالله تعالى التوفيق: أن خبر أبي بكرة موافق لمعهود الأصل في إباحة الصلاة حيث شاء وأنه حينئذ ثبت الامر بالمنع من الصلاة خلف الصف، فجازت صلاته الكائنة قبل ورود الامر، ولزم النهي عنه في المستأنف، ولأن النهي عن الصلاة خلف الصف أمر وارد، وحكم زائد، وشرع حادث بلا شك، فهو ناسخ للإباحة المتقدمة بيقين، وأما الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بعد قوله: ارجع فصل فإنك لم تصل فإن الامر بالصلاة ثابت عليه ولا بد، ولازم حتى يؤديه كما أمره عليه السلام، وليس في ذلك الخبر أنه عليه السلام أسقط عنه لجهله ما كان أمره به من الصلاة ما دام وقتها قائما.
فلا يجوز أن يسقط أمر متيقن بظن كاذب، وبالله تعالى التوفيق.
وأما حديث جدة أنس بن مالك، فإنما ذلك حكم النساء، وهكذا نقول: إن حكم النساء في ذلك مخالف لحكم الرجال، وإن حكم المرأة والنساء ألا يصلين