الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٨٨
بينا أن المرسل لا تقوم به حجة، والآخر رواه أبو سفيان عن جابر، وأبو سفيان طلحة بن نافع ضعيف.
ولكنا نمثل في ذلك مثالا يصح، وذلك الحديث المروي أن امرأة مخزومية سرقت، فشفع فيها أسامة ألا تقطع يدها، فأنكر عليه السلام على أسامة رضي الله عنه وقال له: يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله تعالى.
وروي أيضا: أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فشفع فيها أسامة، فقال من رجح إحدى الروايتين بما ذكرنا، محال أن يزجر النبي صلى الله عليه وسلم أسامة عن أن يشفع في حد ثم يعود لمثل ذلك، فراموا أن يثبتوا بذلك أنها قصة واحدة وامرأة واحدة، وأنها قطعت للسرقة لا لجحد العارية.
قال علي: هذا لا معنى له ولا حجة فيه، لأننا لم نقل إن أسامة رضي الله عنه أقدم على ذلك وهو يعلمه حدا، وليس في الحديث زجر، وإنما فيه تعليم ولسنا ننكر على أسامة وغير أسامة جهل شريعة ما حتى يعلمه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال في خبر ورد في سارقة، وخبر ورد في مستعيرة إنها قصة واحدة، فقد كان كابر وقال بغير برهان، وقفا ما ليس له به علم.
وأما نحن فنقول يقينا بغير شك: إن حال المستعيرة غير حال السارقة، وإن العارية والجحود غير السرقة، وإنهما قضيتان متغايرتان بلا شك، ثم لسنا نقطع على أنهما امرأتان، ولا على أنها امرأة واحدة، لان كل ذلك ممكن، وقد يمكن ولو كانت امرأة واحدة أن تكون سرقت مرة فقطعت يدها، ثم استعارت فجحدت فقطعت يدها الثانية، والله تعالى أعلم، وإنما نقول ما روينا وصحح عندنا، ولا نزيد من رأينا ما لم نسمع، ولا قام به برهان، فنحصل في حد الكذب، ونعوذ بالله من ذلك، إلا أننا نقول: إنا قد روينا بالسند الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يد امرأة استعارت المتاع وجحدته، فنحن نقطع يد كل مستعير جاحد إذا قامت عليه بذلك بينة، أو علم بذلك الحاكم، أو أقر هو بذلك.
ونقول قد روينا أنه عليه السلام قطع يد من سرق، فنحن نقطع يد من سرق إذا ثبت عليه شئ مما ذكرنا. هذا على أن حديث قطع المستعيرة قد روي من
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258