الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٩٠
وفي تمام صيام الآكل ناسيا، وفي التحريم بخمس رضعات، وفي قضاء الصيام عمن مات وعليه صوم، وفي ألا يحنط المحرم الميت، وفي مئين من الاحكام، ثم لا يستحي من أن يقول: لا أجلد الزاني المحصن. وقد جاء القرآن بجلد كل زان ولم يخص محصنا من غيره، فقال تعالى: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولم يخص تعالى من ذلك إلا الإماء والعبيد فقط. فتركوا القرآن كما ترى والسنة الصحيحة من طريق عبادة في إيجاب الجلد على الزاني محصنا كان أو غير محصن، لظن ظنوه في أن ماعزا رجم ولم يجلد، وقد علمنا وجه قول المعتزلة لا نأخذ بالحديث إلا حتى نجد حكمه في القرآن، وما علمنا وجها لقول من قال لا نأخذ بالقرآن حتى يأتي حكمه في الحديث. وهذا هو نفس قول إخواننا، وفقهم الله في هذا المسألة، وإنما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجلد ماعزا، من طريق ساقطة لا يقوم به حجة.
وقد فعل مثل ذلك أيضا بعضهم، فسمع القرآن قد نزل بقوله تعالى: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * فقالوا: لا نستعيذ إذا قرأنا في الصلاة، لأنه لم يأت خبر بإيجاب الاستعاذة، فمرة يتركون الاخبار الصحاح لأنها لم تذكر أحكامها في القرآن، ومرة يتركون القرآن لان حكمه لم يأت به خبر، فأين تطلب مذاهب هؤلاء القوم، وكيف يستجيزون هذه العظائم الشنيعة التي لا تطرد مع خطئها، وعدم الحجة عليها وقيام البرهان على بطلانها.
وقد اعترض بعضهم في ترك الاستعاذة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
كان يفتتح القرآن بالحمد لله رب العالمين.
قال علي: وهذا من غريب احتجاجهم، وليت شعري متى قلنا لهم إن الاستعاذة قراءة يحتجون علينا بها، وإنما قلنا لهم: إن الاستعاذة قبل القراءة، وبعد ما روي من التوجيه والدعاء أثر التكبير، وأما استفتاح القراءة فبالحمد لله رب العالمين بلا شك، ولا نقول غير ذلك.
قال علي: فإن قالوا لنا: أتقولون إن ماعزا جلده النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه السلام كان يستعيذ قبل القراءة في الصلاة؟ قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق: إنا نقول ونقطع
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258