وصح النص أن جميع دين الله تعالى، فإن البرهان قائم ظاهر فيه، وحرم القول بما عدا هذا، لأنه ظن من قائله بإقراره على نفسه، وقد حرم الله تعالى القول بالظن، وأخبر أنه خلاف الحق، وأنه أكذب الحديث، فوجب القطع على كذب الظن في الدين كله.
وهذا أيضا برهان واضح في إبطال القول بالقياس، والتعليل والاستحسان فجميع المسائل الجزئيات إلى الشريعة، وفي جملة القول بكل ذلك، لان القول بكل ذلك ظن من قائله بلا شك، وبالله تعالى التوفيق.
ومن ذلك الحديث الوارد: في أن لا يغتسل من الاكسال والحديث الوارد في الغسل منه، فإن ترك الغسل منه موافق لمعهود الأصل، إذ الأصل أن لا غسل على أحد إلا أن يأمره الله تعالى بذلك، فلما جاء الامر بالغسل وإن لم ينزل، علمنا يقينا أن هذا الامر قد لزمنا، وأنه للحكم الأول بلا شك، ثم لا ندري، أنسخ بالحديث الذي فيه أن لا غسل على من أكسل أم لا، فلم يسعنا ترك ما أيقنا أننا أمرنا به إلا بيقين، ومن ذلك أمره عليه السلام ألا يشرب أحد قائما، وجاء حديث بأنه عليه السلام شرب قائما، فقلنا نحن على يقين من أنه كان الأصل أن يشرب كل أحد كما شاء من قيام أو قعود أو اضطجاع، ثم جاء النهي عن الشرب قائما، بلا شك، فكان مانعا مما كنا عليه من الإباحة السالفة.
ثم لا ندري أنسخ ذلك بالحديث الذي فيه إباحة الشرب قائما أم لا؟ فلم يحل لاحد ترك ما قد تيقن أنه أمر به خوفا أن يكون منسوخا.
قال علي: فإن صح النسخ بيقين صرنا إليه، ولم نبال زائدا كان على معهود الأصل أم موافقا له، كما فعلنا في الوضوء مما مست النار، فإنه لولا أنه روى جابر:
أنه كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار لأوجبنا الوضوء من كل ما مست النار، ولكن لما صح أنه منسوخ تركناه، وكذلك فعلنا في حديث أبي هريرة: من أدركه الصبح جنبا فقد أفطر لأنه علمنا أنه موافق للحكم المنسوخ من ألا يأكل أحد ولا يشرب، ولا يطأ بعد أن ينام