الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٦٠
وصح النص أن جميع دين الله تعالى، فإن البرهان قائم ظاهر فيه، وحرم القول بما عدا هذا، لأنه ظن من قائله بإقراره على نفسه، وقد حرم الله تعالى القول بالظن، وأخبر أنه خلاف الحق، وأنه أكذب الحديث، فوجب القطع على كذب الظن في الدين كله.
وهذا أيضا برهان واضح في إبطال القول بالقياس، والتعليل والاستحسان فجميع المسائل الجزئيات إلى الشريعة، وفي جملة القول بكل ذلك، لان القول بكل ذلك ظن من قائله بلا شك، وبالله تعالى التوفيق.
ومن ذلك الحديث الوارد: في أن لا يغتسل من الاكسال والحديث الوارد في الغسل منه، فإن ترك الغسل منه موافق لمعهود الأصل، إذ الأصل أن لا غسل على أحد إلا أن يأمره الله تعالى بذلك، فلما جاء الامر بالغسل وإن لم ينزل، علمنا يقينا أن هذا الامر قد لزمنا، وأنه للحكم الأول بلا شك، ثم لا ندري، أنسخ بالحديث الذي فيه أن لا غسل على من أكسل أم لا، فلم يسعنا ترك ما أيقنا أننا أمرنا به إلا بيقين، ومن ذلك أمره عليه السلام ألا يشرب أحد قائما، وجاء حديث بأنه عليه السلام شرب قائما، فقلنا نحن على يقين من أنه كان الأصل أن يشرب كل أحد كما شاء من قيام أو قعود أو اضطجاع، ثم جاء النهي عن الشرب قائما، بلا شك، فكان مانعا مما كنا عليه من الإباحة السالفة.
ثم لا ندري أنسخ ذلك بالحديث الذي فيه إباحة الشرب قائما أم لا؟ فلم يحل لاحد ترك ما قد تيقن أنه أمر به خوفا أن يكون منسوخا.
قال علي: فإن صح النسخ بيقين صرنا إليه، ولم نبال زائدا كان على معهود الأصل أم موافقا له، كما فعلنا في الوضوء مما مست النار، فإنه لولا أنه روى جابر:
أنه كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار لأوجبنا الوضوء من كل ما مست النار، ولكن لما صح أنه منسوخ تركناه، وكذلك فعلنا في حديث أبي هريرة: من أدركه الصبح جنبا فقد أفطر لأنه علمنا أنه موافق للحكم المنسوخ من ألا يأكل أحد ولا يشرب، ولا يطأ بعد أن ينام
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258