تعالى خائسا، وهذا كفر ممن أجازه، فصح أنه لا بد من وجوده لمن يسره الله تعالى لفهمه، وبالله تعالى التوفيق.
والوجه الرابع: أن يكون أحد النصين حاظرا لما أبيح في النص الآخر بأسره أي يكون أحدهما موجبا والآخر مسقطا لما وجب في هذا النص بأسره.
قال علي: فالواجب في هذا النوع أن ننظر إلى النص الموافق لما كنا عليه لو لم يرد واحد منهما فنتركه ونأخذ بالآخر، لا يجوز غير هذا أصلا وبرهان ذلك أننا على يقين من أننا قد كنا على ما في ذلك الحديث الموافق لمعهود الأصل، ثم لزمنا يقينا للعمل بالامر الوارد بخلاف ما كنا عليه بلا شك فقد صح عندنا يقينا إخراجنا عما كنا عليه، ثم لم يصح عندنا نسخ ذلك الامر الزائد الوارد بخلاف معهود الأصل، ولا يجوز لنا أن نترك يقينا بشك، ولا أن نخالف الحقيقة للظن، وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال: * (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) * وقال: * (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) * وقال تعالى ذاما لقوم قالوا حاكمين بظنهم: * (إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الظن أكذب الحديث.
ولا يحل أن يقال فيما صح وورد الامر به هذا منسوخ إلا بيقين، ولا يحل أن يترك أمر قد تيقن وروده خوفا أن يكون منسوخا، ولا أن يقول قائل: لعله منسوخ، وكيف ونحن على يقين مقطوع به من أن المخالف لمعهود الأصل هو الناسخ بلا شك ولا مرية عند الله تعالى، برهان ذلك ما قد ذكرناه آنفا من ضمان الله تعالى حفظ الشريعة والذكر المنزل، فلو جاز أن يكون ناسخ من الدين مشكلا بمنسوخ، حتى لا يدرى الناسخ من المنسوخ أصلا، لكان الدين غير محفوظ، والذكر مضيعا قد تلفت الحامق فيه، وحاش لله من هذا وقد صح بيقين لا إشكال فيه، نسخ الموافق لمعهود الأصل من النصين الناقل عن تلك الحال إذ ورد ذلك النص، فهذا يقين الذي أمر الله تعالى به وأقره، وأقام الحجة به وأثبت البرهان وجوبه، ومدعي خلاف هذا كاذب مقطوع بكذبه إذ لا برهان له على دعواه، إلا الظن، والله تعالى يقول قل هاتوا برهانكم إن : كنتم صادقين فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فليس صادقا فيه أصلا،