قال علي: فليس أحد الاستثناءين أولى من الثاني إلا ببرهان من غيرهما، ولكن العمل في ذلك أن يطلب البرهان على أصح العملين المذكورين من نص آخر غيرهما، فإن لم يوجد صبر إلى الاخذ بالزيادة، وبالله التوفيق.
قال علي: ومن هذا قول الله تعالى: * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) * ومع قوله تعالى لنا: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * فليس أحد النصين أولى بالاستثناء من الآخر، إلا بنص أو إجماع، لأنه جائز أن يقول قائل: معناه: كنتم خير أمة أخرجت للناس إلا بني إسرائيل الذين فضلهم الله على العالمين، وجائز أن يقول قائل معناه: أني فضلتكم على العالمين إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم خير أمة أخرجت للناس، فلابد من ترجيح أحد الاستثناءين على الآخر ببرهان آخر وإلا فليس أحدهما أولى من الثاني.
قال علي: فنظرنا فوجدنا قوله تعالى: وقد قام البرهان على أنه ليس على عمومه، لان الملائكة أفضل نهم بيقين، فوقفنا على هذا، ثم نظرنا قوله تعالى كنتم خير أمة أخر للناس لم يأت نص ولا إجماع بأنه ليس على ظاهره، لان الملائكة يدخلون في العالمين، وقد خرج من عموم ذلك الجن بالنصوص في ذلك، ولا يدخلون في الأمم المخرجة للناس، فلما كان هذا النص لم يأت نص آخر ولا إجماع بأنه ليس على عمومه لم يجز لاحد بأن يخصه، فإذا لم يجز تخصيصه فالفرض الحمل له على عمومه، فإذا ذلك فرض، ولابد من أن نخص أحد ذينك النصين من الآخر، ولم يجز تخصيص هذا، فقد وجب تخصيص الآخر ولابد، إذ لا بد من تخصيص أحدهما، وهذا برهان ضروري صحيح من الخبر الثابت:
بأن مثلنا مع من قبلنا كمن أجر أجراء فعملوا إلى نصف النهار بقيراط قيراط، ثم أجر آخرين فعملوا إلى العصر بقيراط قيراط، ثم أجر آخرين فعملوا إلى الليل بقيراطين قيراطين قال عليه السلام: فأنتم أقل عملا وأكثر أجرا وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: ونقول قطعا إنه لا بد ضرورة في كل ما كان هكذا، من دليل قائم بين البرهان على الصحيح من الاستثناءين والحق من الاستعمالين، لان الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه فلو لم يكن ههنا دليل لائح، وبرهان واضح لكان ضمان الله