الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٥٦
ذي محرم، فاستثنوا كما ترى الاسفار الواجبة والمندوب إليها من جملة الاسفار المباحة كلها، وأبقوا على كل سفر مباح غير واجب ولا مندوب إليه على عموم التحريم على النساء إلا مع زوج أو ذي محرم.
قال علي: لم يكن بيد كل طائفة من الطائفتين اللتين ذكرنا، إلا وصفها ترتيب مذهبها في استعمال النصين المذكورين فليس أحدهما أولى من الثاني فلا بد من طلب الدليل على صحة أحد الاستثناءين، وابتغاء البرهان على الواجب منهما من مكان غيرهما.
قال علي: وأما نحن فإنما ملنا إلى استثناء الاسفار الواجبة والمندوب إليها من سائر الاسفار المباحة، وأوجبنا على المرأة السفر إلى الحج والعمرة الواجبتين، والتغريب، وأبحنا لها التطوع بالعمرة والحج، ومطالعة ما لها دون زوج ودون ذي محرم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة ولقوله عليه السلام: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله فجاء النص كما ترى في النساء بأنه لا يحل منعهن عن المساجد، ومكة من المساجد فكان هذا النص أقل معاني من حديث النهي عن سفر النساء جملة فوجب أن يكون مستثنى منه ضرورة، وخرجنا إلى القسم الذي ذكرنا أولا، وإلا صار المانع لهن عاصيا لهذا الحديث، تاركا له بلا دليل.
قال علي: وقد احتج للاستثناء الثاني بعض القائلين به بحديث فيه أنه عليه السلام لما نهى عن أن تسافر المرأة إلا مع زوج أو ذي محرم قال له رجل من الأنصار: يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا، وإن امرأتي خرجت حاجة فقال عليه السلام: حج مع امرأتك قال على لا لحديث حجة عليهم لأنه عليه السلام لم يلزمها الرجوع، ولا أوقع عليها النهي عن الحج، ولكنه عليه السلام أمر زوجها بالحج معها، فكل زوج أبى من الحج مع امرأته فهو عاص، ولا يسقط عنها لأجل معصيته فرض الحج، هذا نص الحديث الذي احتجوا به، وليس يفهم منه غير ذلك أصلا، لان الامر في هذا الحديث متوجه إلى الزوج لا إلى المرأة.
قال علي: ومن هذا النوع أمره عليه السلام بالانصات للخطبة، وفي الصلاة،
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258