رضي الله عنهم ظن، وروايتهم على النبي صلى الله عليه وسلم يقين، ولا يحل لمسلم أن يترك اليقين للظن، فارتفع الاشكال جملة هذا الباب، والحمد لله رب العالمين.
وأما هم رضوان الله عليهم فمعذورون، لأنه اجتهاد منهم، مع أن ذلك منهم أيضا قليل جدا، وليس كذلك من يقلدهم بعد أن نبه على ما ذكرناه وهذه عائشة وأبو هريرة رضي الله عنهما خفي عليهما المسح على الخفين، وعلى ابن عمر معهما، وعلمه جرير ولم يسلم إلا قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر، وأقرت عائشة أنها لا علم لها به، وأمرت بسؤال من يرجى عنده علم ذلك وهو علي رضي الله عنه، وهذه حفصة أم المؤمنين سئلت عن الوطء يجنب فيه الواطئ، أفيه غسل أم لا؟ فقالت لا علم لي.
وهذا ابن عمر توقع أن يكون حدث نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض بعد أزيد من أربعين سنة من موت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمسك عنها وأقر أنهم كانوا يكرونها على عهد أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يقل إنه لا يمكن أن يخفى على هؤلاء ما يعرف رافع وجابر وأبو هريرة.
وهؤلاء إخواننا يقولون - فيما اشتهوا -: لو كان هذا حقا ما خفي على عمر.
وقد خفي على زيد بن ثابت، وابن عمر، وجمهور أهل المدينة إباحة النبي صلى الله عليه وسلم للحائض أن تنفر، حتى أعلمهم بذلك ابن عباس وأم سليم، فرجعوا عن قولهم: وخفي على ابن عمر الإقامة حتى يدفن الميت، حتى أخبره بذلك أبو هريرة وعائشة فقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، وقيل لابن عمر في اختياره متعة الحج على الافراد: إنك تخالف أباك. فقال: أكتاب الله أحق أن يتبع أم عمر؟ روينا ذلك عنه من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر. وخفي على عبد الله بن عمر الوضوء من مس الذكر، حتى أمرته بذلك - عن النبي صلى الله عليه وسلم - بسرة بنت صفوان، فأخذ بذلك. وخفي على ابن عباس النهي عن المتعة، وعن تحريم الحمر الأهلية، حتى أعلمه بذلك علي رضي الله عنه