التحريم، ومثل قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * مع إباحته المحصنات من نساء أهل الكتاب بالزواج، فكن بذلك مستثنيات من جملة المشركات، وبقي سائر المشركات على التحريم، ومثل قوله عليه السلام: دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام مع قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وأمر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بقتل من ارتد بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا، أو شرب خمرا بعد أن حد فيها ثلاثا، وأباح قتل من سعى في الأرض فسادا، وأمر بأخذ أموال معروفة في الزكوات والنفقات والكفارات، وأمر بتغيير المنكر باليد، فكان كل ذلك مستثنى من جملة تحريم الدماء والأموال والاعراض، وبقي سائرها على التحريم.
فقد أرينا في هذه المسائل استثناء الأقل معاني من الأكثر معاني، وأرينا في ذلك إباحة من حظر، وحظرا من إباحة، وحديثا من آية، وآية من حديث، وآية من آية، وحديثا من حديث، ولا نبالي في هذا الوجه كما نعلم أي النصين ورد أولا أو لم نعلم ذلك، وسواء كان الأكثر معاني ورد أولا، أو ورد آخرا كل ذلك سواء، ولا يترك واحد منهما للآخر، لكن يستعملان معا كما ذكرنا - فهذا وجه.
والوجه الثاني أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النص الآخر، أو حاظرا بعض ما حظره النص الآخر، فهذا يظنه قوم تعارضا، وتحيروا في ذلك فأكثروا وخبطوا العشواء، وليس في شئ من ذلك تعارض.
وقد بينا غلطهم في هذا الكتاب في كلامنا في باب دليل الخطاب، وذلك قوله عز وجل: وبالوالدين إحسانا وقال في موضع آخر إن الله يأمر بالعدل والاحسان وقال عليه السلام إن الله كتب الاحسان على كل شئ فكان أمره تعالى بالاحسان إلى الوالدين غيره معارض للإحسان إلى سائر الناس وإلى البهائم المتملكة والمقتولة بل هو بعضه وداخل في جملته. ومثل نهيه عليه السلام أن يزني أحدنا بحليلة جاره مع عموم قوله تعالى: * (ولا تقربوا الزنا) * فليس ذكره عليه السلام امرأة الجار معارضا لعموم النهي عن الزنى، بل هو بعضه.
فغلط قوم في هذا الباب فظنوا قوله عليه السلام في سائمة الغنم كذا، معارضا