صلى الله عليه وسلم معنا تحتها، وإن كان أفضل من كل من دونه، ولا يثنى على الله عز وجل بما يثني به على خلقه، ألا ترى أننا نصف الله عز وجل مثنين عليه بأنه جبار متكبر؟ وهذا في كل مخلوق دونه تعالى ذم شديد، واستنقاص عظيم، ونصفه تعالى بأنه ذو غضب شديد، أنه يفعل ما يريد، وأنه ذو مكر لا يؤمن.
وكل هذا لو وصفنا به مخلوقا لكان ذما ونقصا. ونمدح المخلوقين بالعقل والكيس، والنبل والنجدة والعفة وكل هذا لا يجوز أن يوصف به الله عز وجل، فمن أراد أن يقيس رحمة الله تعالى لخلقه برحمة نبيه صلى الله عليه وسلم لهم فقد ألحد في وصفه لربه تعالى، وقد علمنا يقينا أن الله عز وجل لم يرد قط أن يهدي أبا طالب ولو شاء أن يؤمن لشرح صدره للاسلام، بل أراد أن يعذبه في نار جهنم أبدا، وعلمنا يقينا أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان من أبعد آماله أن يؤمن أبو طالب، وقد كفانا الله تعالى ذلك بقوله: * (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) *.
فأما من آمن بالله فالله أرأف به من نفسه بنفسه، ومن محمد صلى الله عليه وسلم ومن أبيه وأمه اللذين ولداه. لأنه جازاه على ذلك بما لو ملك الاختيار لم يبلغ مقدار ما أعطاه الله تعالى في الجنة، ولا سمح له أبواه بذلك، ولأنه تعالى غفر له ما لو فعله عاصيا لأبيه ما غفر له ذلك، فإن الرجل يزني بأمة الله تعالى فيغفر له بالتوبة، وبموازنة حسناته لسيئاته، ولو زنى بأمة أبيه لقطعه.
وأما من لم يؤمن فما أراد الله به خيرا قط، ولو أراد به خيرا لأماته سقطا، فمن قال: إن الله تعالى لم يقدر على ذلك فقد ألحد ووصف ربه تعالى بغاية النقص، ومن قال:
إن الله تعالى أراد الخير بفرعون فنحن نباهله ونقول: اللهم لا ترد بنا من الخير ما أردته بفرعون، فليدع ربه تعالى أن يريد به من الخير ما أراده بفرعون.
فإن شغب مشغب فقال: إنك الآن تصف محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه أراد غير ما أراد الله عز وجل، وبالله تعالى التوفيق: وهذه شغيبة ضعيفة كالتي قبلها.