قال علي: ومما يبين أن الله تعالى يؤخر البيان قبل أن يريد منا تعالى العمل بالحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى يعرض في الخمر، فمن كان عنده منها شئ فليبعها، فما أتى الوقت الذي أراد الله تعالى أن يوجب علينا اجتنابها أنزل الآيات في تحريمها، وتلا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس من وقته وقد يزيد عليه السلام بيانا بعد تقدم البيان قبله، فيكون تأكيدا وإخبارا لمن يبلغه الخبر الأول، كما نزلت الصلوات الخمس بمكة مبينة بأوقاتها، ثم سأل السائل بالمدينة عن أوقاتها وأوائلها وأواخرها فأراه عليه السلام ذلك بالعمل، وقد بينها أيضا بكلامه عليه السلام لغير ذلك السائل.
وكما أخر الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان المناسك قبل أن يأتي وقت وجوب عملها، فلما أتى وقت وجوبها بينها له عليه السلام، فبينها عليه السلام بفعله غير مؤخر لها، ومن ادعى أنه عليه السلام كان عنده بيان المناسك وكتمها عن أصحابه، ومنعهم الاجر بالعلم بها وبالاقرار بجملتها، فقد افترى وكذب نبيه صلى الله عليه وسلم إذ يقول: إن حقا على كل نبي أن يدل أمته على أحسن ما يعلمه لهم ومن قال بهذا فقد أكذب ربه تعالى إذ يقول عز وجل واصفا لنبيه صلى الله عليه وسلم : * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) * وإذا كتمهم ما يستعجلون الاجر بالاقرار به ويزدادون علما بفهمه، فقد خالف الصفة التي ذكرها الله تعالى، ومن قال ذلك فقد فارق الاسلام.
فإن قال قائل: فأنت تصف الآن محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه يريد أن يزداد أهل الأرض خيرا، وهذا خلاف قولك إن الله عز وجل لم يرد هذا بكل الناس، فقد وصفت محمدا صلى الله عليه وسلم بأفضل مما وصفت به الله عز وجل، وبأنه أرأف بنا من الله تعالى.
قال علي: فنقول وبالله التوفيق: هذه شغيبة ضعيفة، وإنما يماثل بين الشيئين أو يفاضل بينهما، إذا كانا واقعين تحت نوع واحد، أو تحت جنس واحد، وليس صفتنا لله تعالى من نوع صفتنا للمخلوقين، ورحمة محمد صلى الله عليه وسلم بالناس هي من جنس تراحمنا بعضنا لبعض، إلا أنها أعلى من كل رحمة لإنسي، وأكمل وأتم وأدوم، وليس الله تعالى واقعا معنا تحت نوع البشرية كوقوع محمد