وبعضها بالمدينة، وبعضها أكمل من بعض، فهلا اعترض المانعون ربهم تعالى من أن يفعل ما يشاء بغير نص منه تعالى أنه لا يفعله - على ربهم فيما ذكرنا فيقولون: هلا نزلت هذه القصص كاملة في مكان واحد، فتكون أتم للوعظ، وأشفى للخبر، ثم يؤكدها كذلك إن شاء.
وليت شعري إذ أقر هؤلاء بأن التأكيد حكمة، فماذا يقولون في قصص كثيرة ومواعظ لم يذكرها عز وجل في القرآن إلا مرة واحدة؟ أتراها عريت عن الحكمة إذ لم تكرر ولا وكدت؟
وأيضا فإن أكد تعالى تكرار مسألة موسى عليه السلام عشرين مرة مثلا ما الفرق بين عشرين مرة، وبين إحدى وعشرين مرة أو تسع عشر مرة؟
فإن ادعى أن هذا العدد أبلغ في الحكمة ادعى القحة وبانت قلة الحياء في وجهه، وقال ما يعلم أنه بخلاف ما يقول، وسألناه أيضا عن قصص أخر كررت أقل من تكرار قصة موسى عليه السلام. فإن قال اكتفى بتكرار قصة موسى، قيل له:
ما الفرق أن يكتفي بتكرار قصة موسى عن تكرار قصة إبراهيم. ولا يكتفي بتكرار قصة إبراهيم عن تكرار قصة موسى؟ وما الفرق بين ذكره تعالى ما ذكر من قصص الأنبياء عليهم السلام، وبين ما أمسك عنه تعالى من ذكره لبعضهم؟ وما الفرق بين ذلك وبين أن لو ذكر من أمسك عنه وأمسك عمن ذكر، وقد ذكر من لا شريعة له غير شريعة من قبله كثيرا، كإلياس واليسع وذي الكفل، وغيرهم، ولعل من أمسك عنه تعالى ولم يذكره من الرسل أعظم آية، وأبلغ في الوعظ ممن ذكر.
قال علي: وأنا أقطع ولا أمتري أن ملقي هذه النكتة إلى ضعفاء المسلمين مغمور في دينه، ضعيف في عقله، كائد للشريعة، ولا شك في ذلك، ثم تهافت بالتقليد مع من تهافت، وبالله تعالى التوفيق.
ومما سأل عنه المانعون من تأخير البيان جملة أن قالوا: ما تقولوا فيمن سمع آية قطع السارق، ولم يسمع الحديث المبين للتوقيت في ذلك، أيقطع كل سارق لفلس من ذهب؟ وفيمن سمع آية الزنى ولم يسمع حكم الرجم، وفيمن سمع آية الرضاع ولم يسمع الحديث في التوقيت في ذلك، أيجلد المحصن ولا يرجمه؟ ويجلد