الأمة مائة ويحرم برضعة واحدة أم كيف يفعل؟ فإن قلتم: ينفذ ما سمع على جملته، كنتم قد أمرتموه بالباطل، وإن قلتم: لا يفعل، أمرتموه بمعصية ما سمع من القرآن.
فالجواب: أننا لم نجد قط تأخير ورود البيان عن وقت وجوب العمل، وأما قبل وجوبه فليس يلزمه إلا الاقرار بالجملة، وأن يقول: سمعت وأطعت، ولا مزيد إذا لم تكن مبينة مفهومة مثل قوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) * فهذا ليس عليه إلا الاقرار بتصديق ذلك كما قلنا فقط. إذ لم يأته بيان ما كلف من ذلك، وأما إن كان النص مفهوما بينا فعليه العمل به حتى يبلغه نسخه، أو تخصيصه ولا بد، إذا من قال : لا يلزمه العمل بما بلغه من ذلك فقد قال له: لا تطع ربك، ولا تعمل بما أمرك فلعل ههنا نصا ناسخا لهذا النص، أو نصا مخصصا له، وهذا خلاف أمر الله تعالى في القرآن بطاعته. ومن طرد هذا القول السخيف لزمه ألا يعمل بشئ من القرآن، ولا السنن أبدا. حتى يستوعب معرفة جميع أحكام القرآن، وضبط جميع السنن، وفي هذا الخروج عن الاسلام وإبطال الشريعة قال علي: ونسألهم في رد هذا السؤال عليهم فنقول: ما الذي يلزم من سمع أمرا ما، والرسول عليه السلام حي مما جاء النسخ بعد ذلك فيه، أيعتقد في ذلك الامر التأييد فيكون معتقدا للباطل. أو يعتقد فيه السقوط بعد حين فيعتقد المعصية لما سمع؟ فجوابهم ها هنا جوابنا آنفا فيما سألونا عنه، وأنه يلزم من سمع ذلك الاقرار والطاعة والاعتقاد أن ه حق لازم ما لم يأت ما ينسخه فهو على التأييد، وإن جاء ما ينسخه فهو متروك للناسخ.
قال علي: وتأخير الاستثناء والتخصيص عندنا جائز كتأخير البيان جملة ولا فرق، وهو جائز ما لم يأت وقت إيجاب العمل، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: ومما يبين صحة قولنا قوله تعالى: * (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه) * وثم توجب مهلة وقوله تعالى في قصة الملائكة القائلين لإبراهيم عليه السلام:
: (إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله الا امرأته كانت من الغابرين) فعموا في أول الامر وأخروا البيان حتى وقع السؤال عن لوط فأجابوا بأنهم لم يعنوه بالهلال يعنوه بالهلال وأهله حاشا امرأته فقط.