وقد اعترض في هذا بعض من منع من تأخير البيان جملة بأن قال: قد كان يجب أن يعلم إبراهيم عليه السلام أن لوطا خارج عن العذاب لقولهم إن أهلها كانوا ظالمين ولوط ليس ظالما قيل لهم وبالله تعالى التوفيق.
يمكن أن يحدث من لوط ما يستحق به الظلم فأشفق إبراهيم عليه السلام من ذلك فسأل عنه وقد أجعل لنوح عليه السلام خلاص أهله، فظن أن الأهل هم القرابة حتى بين له بعد ذلك أن المراد بأهله أهل دينه فإن قال قائل: فما المراد من المجمل الوارد قبل ورود بيانه؟ قيل له وبالله تعالى التوفيق.
المراد منا فيه هو المراد منا في المتشابه الذي أمرنا بأن نبحث عنه، ولا نبتغي تأويله، وأن يقول كل من عند ربنا، وأما المراد فيه فالذي يأتي به البيان إذا أتى ويبين قولنا قول الله تعالى: (يبين الله لكم ان تضلوا) فإنما يبين لنا لئلا نضل ولا ضلال في ورود الامر ما لم يأت وقت وجوب العمل به، فأما إذا جاء وقت وجوب العمل به فلو تركنا نعمل بغير ما أريد منا لكنا قد ضللنا، وقد أخبرنا تعالى بأن ذلك لا يكون، وقوله تعالى صدق وحق بالله تعالى التوفيق.
فعلى هذا الوجه منعنا من تأخير البيان عند وجوب العمل، وإلا فليس في العقل ما يمنع من ذلك لو شاء تعالى، ولو فعل الله تعالى ذلك لكان تعنيتا لنا، وقد أخبرنا تعالى فقال: * (ولو شاء الله لأعنتكم) * فأخبر تعالى أنه لو أراد أن يكلفنا العنت فعل، وهذا نفس قولنا وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: يختلف في الوضوح، فيكون بعضه جليا، وبعضه خفيا، فيختلف الناس في فهمه فيفهمه بعضهم ويتأخر بعضهم عن فهمه، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إلا أن يؤتي الله رجلا فهما في دينه، وكما تعذر على عمر رضي الله عنه، وهو الغاية في العلم بنص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فيه - فهم آية الكلالة فمات وهو يقر أنه لم يفهمها وفهمها غيره من الصحابة رضي الله عنهم،