وانتهره عليه السلام وأخبره بأنها بينة يكفي من فهمها الآية التي نزلت في الصيف، وكما عرض لعدي في توهمه أن الخيط الأبيض والأسود من خيوط الناس حتى زاده الله تعالى بيانا في أن ذلك من الفجر، وقد اكتفى غير عدي بالآية نفسها، وعلم أن المراد الفجر. وكما توهم ابن أم مكتوم أنه ملوم في تأخره عن الغزو، فزاده الله بيانا باستثناء أولي الضرر، وقد اكتفى غير ابن أم مكتوم بسائر النصوص الواردة في رفع الحرج، وأن لا حرج على مريض ولا أعمى، وأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
قال علي: فهذه حقائق الكلام في البيان وتأخيره مجموعة باستيعاب وإيجاز وبالله تعالى التوفيق.
والتأكيد نوع من أنواع البيان، قال الله عز وجل: * (تلك عشرة كاملة) وقال تعالى: (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) بعد أن ذكر تعالى ثلاثين ليلة وعشرا، فإن قال قائل: إن الله تعالى علمنا الحساب بذلك فقد افترى، لأننا كنا نعلم الحساب قبل نزول القرآن، نعني النوع الانسان جملة، وبالله تعالى التوفيق، وقد أتى بعض أهل القياس المتحذلقين المتنطعين في قوله تعالى: (تلك عشرة كاملة) آبدة فقال معنى قوله تعالى: (تلك عشرة كاملة) دليل على أن الهدي الذي عوض منه الصوم في التمتع لا يكون إلا كاملا.
قال علي: وأول ما في هذا القول الدعوى بلا دليل، وهذا حرام لا سيما على الله عز وجل، وأيضا فإنه قد جل الله تعالى عن أن يريد أن يكون الهدي كاملا فيترك أن يصفه بذلك، ويقتصر على أن يقول: (فما استيسر من الهدي) ثم ينبه على كمال الهدي بذكر أن تكون العشرة الأيام في الصوم كاملة، فبان كذب هذا القائل، وصح أن قوله تعالى: (عشرة كاملة) كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الزكاة، فابن لبون ذكر، وكقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الفرائض:
فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر وإنما هذا توكيد وبيان زائد فقط.