جرما في الاسلام من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته. وفي قوله عليه السلام: إنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.
ويبين صحة قولنا هذا قوله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم، قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) * فأخبر تعالى بنص ما قلنا وله الحمد، وبين لنا أن الأشياء معفوة ساقطة عنا قبل أن نسأل عنها، فإذا سألنا عنها لزمتنا، ولعلنا نعصي حينئذ فنهلك، وكل ذلك قد سبق في علمه عز وجل.
وأما تأخر نزول: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) في قصة ابن الزبعرى إذ اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم في تلاوة (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) فقال: نحن نعبد الملائكة والنصارى يعبدون عيسى، فهم في جهنم معنا، فإن ابن الزبعرى كان مغفلا عن تدبر الآية الأولى وقد كان له فيها كفاية له عقل، ولكن الثانية أتت مؤكدة لها فقط وهي إخباره تعالى عن سؤاله الملائكة فقال تعالى: (ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * فأخبر تعالى عن الملائكة الصادقين المقدسين أنهم قالوا: * (سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) * فليس قول القائل: أنا أعبد الملائكة، ولا قول النصارى: نحن نعبد المسيح موجب لصدقهم، لان العبادة إنما هي الاتباع والانقياد مأخوذة من العبودية، وإنما يعبد المرء من ينقاد له، ومن يتبع أمره، وأما من يعصي ويخالف فليس عابدا له وهو كاذب في ادعائه أنه يعبده.