نعم كذلك نقول في هذا المكان مقرين بما قال ربنا عز وجل من أن محمدا صلى الله عليه وسلم أحب أن يهتدي قوم لم يحب الله تعالى أن يهديهم، وليس في اختلاف ما أراد الله تعالى ههنا وما أراد نبيه عليه السلام، عيب على نبيه عليه السلام لأنه إنما يمدح النبي فمن دونه من المخلوقين بالائتمار لربه تعالى فقط، لا بأن يوافق ربه فيما لم يكلفه، ألا ترى أننا نمدح أنفسنا بالنكاح والأولاد وهما منفيان عن الله عز وجل لم يردهما لنفسه قط، ونمدح بالصدقة على المحتاج الذي لم يرد الله أن يغنيه، ولو أراد أن يغنيه لكان قادرا عز وجل على ذلك فلم نؤمن نحن قط أن تريد ما أراده الله عز وجل في كل وقت، بل نهينا عن ذلك فقد أراد الله عز وجل قتل من سلط عليه الكفار من المؤمنين، ولو أردنا نحن ذلك لفسقنا، وإنما أريد منا الائتمار لما أمرنا به والانتهاء عما نهينا عنه، وقول خصومنا يؤول إلى قول بعض أهل الالحاد:
أن الواجب علينا التشبه بالله عز وجل، وهذا كفر عندنا، لان الله تعالى لا يشبهه شئ، فلا يروم التشبه به إلا كافر ملحد. وهذا بين، وبالله تعالى التوفيق.
ثم نرجع إلى بقية الكلام في تأخير البيان، فإن احتج بعض من يجيز تأخير البيان عن وقت وجوب الامر بقصة موسى والخضر عليهما السلام فلا سواء، فموسى عليه السلام لم يلزمه قط أمر في تلك القصة يلزمه التقصير إن لم يأته، وإنما سأله ناسيا والنسيان مرفوع، وكذلك كان سؤال نوح عليه السلام في ابنه ناسيا، لان الله تعالى قد كان بين له أن يحمل أهله إلا من سبق عليه القول منهم، فنسي نوح عليه السلام هذا الاستثناء، وقد كان كافيه لان ابنه كان كافرا قد سبق عليه القول في جملة من كفر.
واحتجوا أيضا بأمر بقرة بني إسرائيل، وأنه تعالى أخر عنهم بيان الصفات التي زادهم بعد ذلك.
قال علي: وهذا لا حجة لهم فيه، لان تلك الصفات إنما هي زيادات شرائع لو لم يسألوا عنها لم يزادوها، ولو ذبحوا في أول ما أمروا بقرة بيضاء أو حمراء أو بلقاء لأجزت عنهم، لكنهم لما زادوا سؤالا زيدوا شرعا، ودخلوا بذلك في جملة من ذم الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، إذ يقول: إن من أعظم الناس