بأن حكم كذا لزمنا إلا بيقين، ولا يسقط بعد لزومه إلا بيقين، فلهذا قلنا بالفرق المذكور بين النسخ وبين الاستثناء والتخصيص، لأننا إذا قلنا في ذلك إنه نسخ فقد أقررنا أنه لزم ثم سقط، وهذا لا يحل قوله إلا بيقين. وبالله تعالى التوفيق.
ومما خص من القرآن بالقرآن قوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) فاستثنى تعالى الأزواج وملك اليمين من جملة ما حظر من إطلاق الفروج، ثم خص تعالى الجمع بين الأختين وبين الام والابنة، والربيبة والزانية، والحريمة بالقرابة، والشركة بالقرآن، وخص الحريمة بالرضاع بالسنة، والذكور والبهائم، والأمة المشركة بالاجماع المأخوذ من معنى دليل النص الثابت لا يحتمل إلا وجها واحدا بالحظر من جملة المباح بملك اليمين فإن قال قائل: لا يجوز أن يبين القرآن إلا بالسنة، لان الله تعالى يقول * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * قيل له، وبالله تعالى التوفيق:
ليس في الآية التي ذكرت أنه عليه الصلاة والسلام لا يبين إلا بوحي لا يتلى، بل فيها بيان جلي، ونص ظاهر أنه أنزل تعالى عليه الذكر ليبينه للناس، والبيان هو بالكلام، فإذا تلاه النبي صلى الله عليه وسلم فقد بينه، ثم إن كان مجملا لا يفهم معناه من لفظه بينه حينئذ بوحي يوحى إليه، إما متلو أو غير متلو، كما قال تعالى:
* (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه) * فأخبر تعالى أن بيان القرآن عليه عز وجل، وإذا كان عليه فبيانه من عنده تعالى، والوحي كله، متلوه وغير متلوه، فهو من عند الله عز وجل: وقد قال عز وجل (يبين الله لكم أن تضلوا) وقال تعالى مخبرا عن القرآن (تبيانا لكل شئ) فصح بهذه الآية أنه تكون آية متلوه بيانا لأخرى، ولا معنى لانكار هذا وقد وجد، فقد ذكر تعالى الطلاق مجملا، ثم فسره في سورة الطلاق وبينه.
ومما أجمل في السنة وبينه القرآن ما حدثناه عبد الله بن يوسف عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي عن مسلم، ثنا زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن علية، ثنا أبو حيان، ثنا يزيد بن حيان أنه سمع زيد بن أرقم يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا يا أيها الناس