في اللغة، كقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ماهية هذه الزكاة المأمور بإيتائها، دون أن يخرج من لفظ الزكاة شيئا، وكذلك فسر عليه السلام من صفات النكاح والحج وغير ذلك، وقد يكون باستثناء مثل ما روي عن نهيه عليه السلام عن بيع الرطب بالتمر، ثم استثنى العرايا فيما دون خمسة أوسق، فكان هذا مخرجا بحكم العرايا من جملة النهي المتقدم، وقد يكون الاستثناء بألفاظ الاستثناء مثل: إلا وخلا وحاشا وما لم، وما أشبه ذلك. وقد يكون حكما واردا بلفظ الامر، أو بلفظ الخبر، مستثنى من جملة أخرى، وهذا يسمى التخصيص، كتحريمه تعالى نكاح المشركات جملة، ثم جاءت إباحة نكاح نساء أهل الكتاب والزواج، فكان هذا تخصيصا من الجملة المذكورة.
وأما النسخ، فهو رفع الحكم أو بعضه جملة، والفرق بينه وبين الاستثناء والتخصيص أن الجملة الواردة التي جاء التخصيص أو الاستثناء منها لم يرد الله تعالى قط إلزامها لنا على عمومها وقتا من الدهر، كالذي ذكرنا من تحريم المشركات، فإنه لم يرد قط بذلك نكاح نساء الكتابيين بالزواج، وكذلك القول في العرايا وأما النسخ فإننا مكلفون الجملة الأولى على عمومها مدة ما لم يأت أمر بإبطالها عنا، أو إبطال بعضها على ما تبين في باب النسخ إذا بلغنا إليه إن شاء الله تعالى.
فإما وجوه البيان التي ذكرنا من التفسير والاستثناء والتخصيص، فقد يكون بالقرآن للقرآن، وبالحديث للقرآن، وبالاجماع للقرآن، وقد يكون بالقرآن للحديث، وبالحديث للحديث، وبالاجماع المنقول للحديث.
وقولنا: الحديث، إنما نعني به الامر والفعل والاقرار والإشارة، فكل ذلك يكون بيانا للقرآن، ويكون القرآن بيانا له، وإنما فرقنا آنفا بين التخصيص والاستثناء وبين النسخ لأنه قد تيقنا وجوب طاعة الله عز وجل ورسوله عليه السلام علينا، فحرام علينا الخروج عن طاعتهما في شئ مما أمرا به، أو أن نقول في شئ مما ألزمنا إنه منسوخ ساقط بعد وجوبه إلا بيان جلي لا شك فيه، وإذا وجدنا الحكم سقط بعضه بالاستثناء أو التخصيص فنحن على يقين من أنه لا يلزمنا فلا يحل لاحد أن يقول إنه لزم ثم سقط، فيكون قد قفا ما ليس له به علم، وقال بشك لا بيقين، وذلك حرام. ولا يجوز بأن نقول