في حد الامكان لأنه لو أقام الدليل موجبه، لكان الشئ موجبا حقا، ولو أقام الدليل نافيه لكان الشئ باطلا منفيا. فإن لم يقمه واحد منهما قيل في ذلك الشئ هذا ممكن أن يكون حقا، وممكن أن يكون باطلا إلا أننا لا نقول به ولا نحكم به ولا نقطع على أنه باطل، وهكذا نص قوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أهل الكتاب: لا نصدق ولا نكذب، ولكن نقول الله أعلم.
قال علي: وإنما أوقع أصحابنا في الكلام في هذه المسألة اختلافهم في القياس، ولا معنى للتطول فيها والشغب، لان البراهين على صحة قولنا في إبطال القياس كثيرة جدا واضحة، فلا معنى لمدافعة القائلين به بمثل هذا، بل نقول لهم علينا البرهان في صحة قولنا بإبطاله، فإذا أثبتناه سألناكم عن أدلتكم على إثباته، ولا نقنع بأن نقول إن الشئ أنه باطل فلا معنى لتكلف إقامة الحجة على ضد ما تيقنت صحته، وإن كان هذا قولا صحيحا، ولكنا نقول لهم: هاتوا كل ما تحتجون به في إثباته، ثم علينا نقضه كله بحول الله تعالى وقوته، ثقة منا بوضوح الامر في إبطاله، وسهولة المأخذ في ذلك، وأنه ليس من الغامض الخفي لكن من الواضح الجلي، وقد استوعبنا ذلك ولله الحمد، في باب الكلام في القياس والعلل من كتابنا هذا، وفي كتابنا المرسوم بكتاب التقريب أيضا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإحجاجنا لهم بكل ما شغبوا به وزدناهم احتجاجا بما لم يحتجوا به لأنفسهم، وبينا بطلان كل ما يمكن أن يموه به ذلك مموه، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: كل أمر ثبت بيقين إما بحس، وإما ببديهة عقل، وإما بمقدمات راجعة إليهما مما وجد في نص قرآن أو نص سنة أو إجماع، ثم ادعى مدع أن ذلك الحكم قد بطل وانتقل، فعليه الدليل ههنا وليس هذا على الثابت على ما قد صح، لان الدليل قد ثبت بصحة قوله، وما ثبت دليله فالقائل به غير مكلف تحديده في كل وقت، وهذا شئ يقضي العقل بفساده كمن ادعى أن في الدنيا بلادا فيها ناس يمشون على أربع لا على رجلين، ورؤوسهم على أسافلهم. أو ادعى أن في الناس قوما لهم حاسة سادسة غير حواسنا، أو ادعى أن فلانا الذي عهدناه حيا مات، فأراد قسم ميراثه ونكاح نسائه، أو أن فلانا طلق امرأته التي عهدنا صحة زوجيته