فإن قالوا: لا للصحابة ولا لنا، كان قائل هذا القول كافرا لتكذيبه الله تعالى جهارا وهذا لا يقوله مسلم، وأن قالوا: بل كان كل ذلك باق لنا وعلينا إلى يوم القيامة صاروا إلى قولنا ضرورة، وصح أن شرائع الاسلام كلها كاملة، والنعمة بذلك علينا تامة، وأن دين الاسلام الذي ألزمنا الله تعالى اتباعه لأنه هو الدين عنده عز وجل متميز عن غيره الذي لا يقبله الله تعالى من أحد، وأننا ولله الحمد قد هدانا الله تعالى له، وأننا على يقين من أنه الحق وما عداه هو الباطل، وهذا برهان ضروري قاطع على أنه كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين، وفي بيان ما يلزمنا محفوظ لا يختلط به أبدا ما لم يكن منه وإن قالوا: بل كان ذلك للصحابة رضي الله عنهم، وليس ذلك لنا ولا علينا كانوا قد قالوا الباطل وخصصوا خطاب الله تعالى بدعوى كاذبة، إذ خطابه تعالى بالآيات التي ذكرنا عموم لكل مسلم في الأبد، ولزمهم مع هذه العظيمة أن دين الاسلام غير كامل عندنا، وأنه تعالى رضي لنا منه ما لم ينبته علينا، وألزمنا ما لا ندري أين نجده، أو ألزمنا ما لم ينزله، وافترض علينا اتباع ما كذبه الزنادقة والمستخفون، ووضعوه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أو وهم فيه الواهمون مما لم يقله نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا بيقين ليس هو دين الاسلام، بل هو إبطال الاسلام جهارا، ولو كان هذا - وقد أمنا ولله الحمد أن يكون - لكان ديننا كدين اليهود والنصارى الذي أخبرنا الله تعالى أنهم كتبوا الكتاب وقالوا هو من عند الله.
قال أبو محمد: حاشا لله من هذا، بل قد وثقنا بأن الله تعالى صدق في قوله فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وأنه تعالى قد هدانا للحق فصح يقينا أن كل ما قاله عليه السلام فقد هدانا الله تعالى له وأنه الحق المقطوع عليه، والعلم المتيقن الذي لا يمكن امتزاجه بالباطل أبدا.
قال على: وقال بعضهم إذا انقطعت به الأسباب خبر الواحد يوجب علما ظاهرا قال أبو محمد: وهذا كلام لا يعقل، وما علمنا علما ظاهرا غير باطن، ولا علما باطنا، غير ظاهر، بل كل علم تيقن فهو ظاهر إلى من علمه وباطن في قلبه