بما لم يذكر في القرآن كغسل الرجلين في الوضوء، وكرجم المحصن، ونحو ما أخذوا به من إباحة صوم رمضان للمسافر، ومن إيجاب الوضوء من القهقهة في الصلاة، ومن الوضوء بالنبيذ، ومن القلس والقئ والرعاف، وكتخصيص ظاهر القرآن، كعدد ما لا يقطع السارق في أقل منه، وما لا يحرم من الرضاع أقل منه فهذا أيضا زائد حكم على ما في القرآن، ومثله ما بين مجمل القرآن كصفة الصلاة وصفة الزكاة وسائر ما جاءت به السنن فهو زائد حكم على ما في القرآن.
فمن أين جوزتم أخذ الزائد على ما في القرآن كما ذكرنا حيث اشتهيتم، ومنعتم منه حيث اشتهيتم، وهذا ضلال لا خفاء به وكل ما وجب العمل به في الشريعة فهو واجب أبدا في كل حال، وفي كل موضع إلا أن يأتي نص قرآني أو سنة بالمنع من بعض ذلك فيوقف عنده، وأما بالآراء المضلة والأهواء السخيفة فلا، على أنهم آخذ الناس بخلاف القرآن برأي فاسد أو قياس سخيف أو خبر ساقط كالوضوء من القهقهة وسائر تلك الأخبار الفاسدة، وتأملوا ما نقول لكم: قد أجمعوا معنا على قبول ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسخ للقرآن أو زيادة عليه، واتفقوا معنا على أن خبر الواحد الثقة عن مثله مسندا حجة في الدين، ثم تناقضوا كما ذكرنا بلا برهان ونعوذ بالله من الخذلان، وقد ثبت عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وداود رضي الله عنهم وجوب القول بخبر الواحد، وهذا حجة على من قلد أحدهم في وجوب القول بخبر الواحد، وإن خالف من قلده من بعض من ذكرنا خطأ وتناقضا لا يعزى منه بشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى التوفيق.
ومن البرهان في قبول خبر الواحد: خبر الله تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال له رجل: (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) فصدقه وخرج فارا وتصديقه المرأة في قولها: (إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) فمضى معها وصدقها، وبالله تعالى التوفيق.