وعليه، فنقول في تعريفهما:
الواجب النفسي: ما وجب لنفسه، لا لواجب آخر.
الواجب الغيري: ما وجب... لواجب آخر.
وهذان التعريفان أسد التعريفات لهما وأحسنها، ولكن يحتاجان إلى بعض من التوضيح:
فإن قولنا (1): " ما وجب لنفسه " قد يتوهم منه المتوهم لأول نظرة أن العبارة تعطي أن معناها أن يكون وجوب الشئ علة لنفسه في الواجب النفسي، وذلك بمقتضى المقابلة لتعريف الواجب الغيري، إذ يستفاد منه أن وجوب الغير علة لوجوبه كما عليه المشهور. ولا شك في أن هذا محال في الواجب النفسي، إذ كيف يكون الشئ علة لنفسه؟
ويندفع هذا التوهم بأدنى تأمل، فإن ذلك التعبير عن الواجب النفسي صحيح لا غبار عليه، وهو نظير تعبيرهم عن الله تعالى بأنه " واجب الوجود لذاته " فإن غرضهم منه أن وجوده ليس مستفادا من الغير ولا لأجل الغير كالممكن، لا أن معناه أنه معلول لذاته. وكذلك هنا نقول في الواجب النفسي، فإن معنى " ما وجب لنفسه " أن وجوبه غير مستفاد من الغير ولا لأجل الغير في قبال الواجب الغيري الذي وجوبه لأجل الغير، لا أن وجوبه مستفاد من نفسه.
وبهذا يتضح معنى تعريف الواجب الغيري " ما وجب لواجب آخر " فإن معناه: أن وجوبه لأجل الغير وتابع للغير، لكونه مقدمة لذلك الغير الواجب. وسيأتي في البحث الآتي توضيح معنى التبعية هذه ليتجلى لنا المقصود من الوجوب الغيري في الباب.