ومن هنا يتضح لكم جيدا أن العدلية إذ يقولون بالحسن والقبح العقليين يريدون أن الحسن والقبح من الآراء المحمودة والقضايا المشهورة المعدودة من التأديبات الصلاحية وهي التي تطابقت عليها آراء العقلاء بما هم عقلاء.
والقضايا المشهورة ليس لها واقع وراء تطابق الآراء، أي أن واقعها ذلك. فمعنى حسن العدل أو العلم عندهم أن فاعله ممدوح لدى العقلاء ومعنى قبح الظلم والجهل أن فاعله مذموم لديهم (1).
ويكفينا شاهدا على ما نقول - من دخول أمثال هذه القضايا في المشهورات الصرفة التي لا واقع لها إلا الشهرة وأنها ليست من قسم الضروريات - ما قاله الشيخ الرئيس في منطق الإشارات: " ومنها الآراء المسماة بالمحمودة، وربما خصصناها باسم الشهرة، إذ لا عمدة لها إلا الشهرة، وهي آراء لو خلي الإنسان وعقله المجرد ووهمه وحسه ولم يؤدب بقبول قضاياها والاعتراف بها... لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو وهمه أو حسه، مثل حكمنا بأن سلب مال الإنسان قبيح، وأن الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدم عليه... " وهكذا وافقه شارحها العظيم الخواجا نصير الدين الطوسي (2).
الثالث: ومن أسباب الحكم بالحسن والقبح " الخلق الإنساني " الموجود في كل إنسان على اختلافهم في أنواعه، نحو خلق الكرم والشجاعة، فإن وجود هذا الخلق يكون سببا لإدراك أن أفعال الكرم - مثلا - مما ينبغي فعلها فيمدح فاعلها، وأفعال البخل مما ينبغي تركها فيذم فاعلها.