العقل، لأن العقل شأنه إدراك الأمور الكلية لا الأمور الجزئية، بل إنما يكون إدراك الأمور الجزئية بقوة الحس أو الوهم أو الخيال، وإن كان مثل هذا الإدراك قد يستتبع مدحا أو ذما لفاعله، ولكن هذا المدح أو الذم لا ينبغي أن يسمى عقليا، بل قد يسمى - بالتعبير الحديث - عاطفيا، لأن سببه تحكيم العاطفة الشخصية، ولا بأس بهذا التعبير.
2 - أن يكون الإدراك لأمر كلي، فيحكم الإنسان بحسن الفعل لكونه كمالا للنفس كالعلم والشجاعة، أو لكونه فيه مصلحة نوعية كمصلحة العدل لحفظ النظام وبقاء النوع الإنساني. فهذا الإدراك إنما يكون بقوة العقل بما هو عقل، فيستتبع مدحا من جميع العقلاء.
وكذا في إدراك قبح الشئ باعتبار كونه نقصا للنفس كالجهل، أو لكونه فيه مفسدة نوعية كالظلم، فيدرك العقل بما هو عقل ذلك ويستتبع ذما من جميع العقلاء. فهذا المدح والذم إذا تطابقت عليه جميع آراء العقلاء باعتبار تلك المصلحة أو المفسدة النوعيتين، أو باعتبار ذلك الكمال أو النقص النوعيين، فإنه يعتبر من الأحكام العقلية التي هي موضع النزاع.
وهو معنى الحسن والقبح العقليين الذي هو محل النفي والإثبات.
وتسمى هذه الأحكام العقلية العامة " الآراء المحمودة " و " التأديبات الصلاحية ". وهي من قسم القضايا المشهورات التي هي قسم برأسه في مقابل القضايا الضروريات. فهذه القضايا غير معدودة من قسم الضروريات، كما توهمه بعض الناس ومنهم الأشاعرة كما سيأتي في دليلهم. وقد أوضحت ذلك في الجزء الثالث من " المنطق " في مبادئ القياسات، فراجع (1).