وفي مثله يرجع إلى أقوى الملاكين، فإن كان ملاك الأمر أقوى - كما في المثال المذكور - قدم جانب الأمر ويسقط النهي عن الفعلية، وإن كان ملاك النهي أقوى قدم جانب النهي، كمن انحصر عنده إنقاذ حيوان محترم من الهلكة بهلاك إنسان.
تنبيه: مما يلحق بهذا الباب ويتفرع عليه ما لو اضطر إلى ارتكاب فعل محرم لا بسوء اختياره، ثم اضطر إلى الإتيان بالعبادة على وجه يكون ذلك فعل المحرم مصداقا لتلك العبادة، بمعنى أنه اضطر إلى الإتيان بالعبادة مجتمعة مع فعل الحرام الذي قد اضطر إليه.
ومثاله: المحبوس في مكان مغصوب فيضيق عليه وقت الصلاة ولا يسعه الإتيان بها خارج المكان المغصوب. فهل في هذا الفرض يجب عليه الإتيان بالعبادة وتقع صحيحة، أو لا؟
نقول: لا ينبغي الشك في أن عبادته على هذا التقدير تقع صحيحة، لأ أنه مع الاضطرار إلى فعل الحرام لا تبقى فعلية للنهي، لاشتراط القدرة في التكليف، فالأمر لا مزاحم لفعليته، فيجب عليه أداء الصلاة، ولابد أن تقع حينئذ صحيحة.
نعم، يستثنى من ذلك ما لو كان دليل الأمر ودليل النهي متعارضين بأنفسهما من أول الأمر وقد رجحنا جانب النهي بأحد مرجحات باب التعارض، فإنه في هذه الصورة لاوجه لوقوع العبادة صحيحة، لأن العبادة لا تقع صحيحة إلا إذا قصد بها امتثال الأمر الفعلي بها - إن كان - أو قصد بها الرجحان الذاتي قربة إلى الله تعالى، والمفروض أنه هنا لا أمر فعلي، لعدم شمول دليله بما هو حجة لمورد الاجتماع، لأن المفروض تقديم جانب النهي.