تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ٣٧
بالايمان والطاعة صريح في أن لهم أجلا آخر لا يجاوزونه ان لم يؤمنوا وهو المراد بقوله تعالى «إن أجل الله» اي ما قدر لكم على تقدير بقائكم على الكفر «إذا جاء» وأنتم على ما أنتم عليه من الكفر «لا يؤخر» فبادروا إلى بالايمان والطاعة قبل مجيئه حتى لا يتحقق شرطه الذي هو بقاؤكم على الكفر فلا يجيء ويتحقق شرط التأخير إلى الأجل المسمى فتؤخروا اليه ويجوز أن يراد به وقت اتيان العذاب المذكور في قوله تعالى من قبل أن يأتيهم عذاب اليم فإنه أجل مؤقت له حتما وحمله على الأجل الأطول مما لا يساعده المقام كيف لا والجملة تعليل للأمر بالعبادة المستتبعة للمغفرة والتأخير إلى الأجل المسمى فلا بد أن يكون المنفي عند مجيء الأجل هو التأخير الموعود فكيف يتصور أن يكون ما فرض مجيئه هو الأجل المسمى «لو كنتم تعلمون» اي لو كنتم تعلمون شيئا لسارعتم إلى ما أمرتكم به «قال» اي نوح عليه الصلاة والسلام مناجيا ربه وحاكيا له تعالى وهو أعلم بحاله ما جرى بينه وبين قومه من القيل والقال في تلك المدد الطوال بعدما بذل في الدعوة غاية المجهود وجاوز في الانذار كل حد معهود وضاقت عليه الحيل وعيت به العلل «رب إني دعوت قومي» إلى الايمان والطاعة «ليلا ونهارا» اي دائما من غير فتور ولا توان «فلم يزدهم دعائي إلا فرارا» مما دعوتهم اليه واسناد الزيادة إلى الدعاء لسببيته كما في قوله تعالى زادتهم ايمانا «وإني كلما دعوتهم» إلى الايمان «لتغفر لهم» بسببه «جعلوا أصابعهم في آذانهم» اي سدوا مسامعهم من استماع الدعوة «واستغشوا ثيابهم» اي بالغوا في التغطي بها كأنهم طلبوا أن تغشاهم ثيابهم أو تغشيهم لئلا يبصروا كراهة النظر اليه أو لئلا يعرفهم فيدعوهم «وأصروا» اي أكبوا على الكفر والمعاصي مستعار من أصر الحمار على العانة إذا أصر أذنيه وأقبل عليها «واستكبروا» عن اتباعي وطاعتي «استكبارا» شديدا «ثم إني دعوتهم جهارا» «ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا» اي دعوتهم تارة بعد تارة ومرة غب مرة على وجوه متخالفة وأساليب متفاوتة وثم لتفاوت الوجوه فان الجهار أشد من الاسرار والجمع بينهما أغلظ من الافراد أو لتراخي بعضها عن بعض وجهارا منصوب بدعوتهم على المصدر لأنه أحد نوعي الدعاء أو أريد بدعوتهم جاهرتهم
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة