سورة البينة مدنية مختلف فيها و آيها ثمان بسم الله الرحمن الرحيم «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب» أي اليهود والنصارى وإيرادهم بذلك العنوان للإشعار بعلة ما نسب إليهم من الوعد باتباع الحق فإن مناط ذلك وجدانهم له في كتابهم وإيراد الصلة فعلا لما أن كفرهم حادث بعد أنبيائهم «والمشركين» أي عبدة الأصنام وقرئ والمشركون عطفا على الموصول «منفكين» أي عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق والإيمان بالرسول المبعوث في آخر الزمان والعزم على إنجازه وهذا الوعد من أهل الكتاب مما لا ريب فيه حتى أنهم كانوا يستفتحون ويقولون اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان ويقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم وأما من المشركين فلعله قد وقع من متأخريهم بعد ما شاع ذلك من أهل الكتاب واعتقدوا صحته بما شاهدوا من نصرتهم على أسلافهم كما يشهد به أنهم كانوا يسألونهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل هو المذكور في كتابهم وكانوا يغرونهم بتغيير نعوته عليه السلام وانفكاك الشيء عن الشيء أن يزايله بعد التحامه كالعظم إذا انفك من مفصله وفيه إشارة إلى كمال وكادة وعدهم أي لم يكونوا مفارقين للوعد المذكور بل كانوا مجمعين عليه عازمين على إنجازه «حتى تأتيهم البينة» التي كانوا قد جعلوا إتيانها ميقاتا لاجتماع الكلمة والاتفاق على الحق فجعلوه ميقاتا للانفكاك والافتراق وإخلاف الوعد والتعبير عن إتيانها بصيغة المضارع باعتبار حال المحكي لا باعتبار حال الحكاية كما في قوله تعالى «واتبعوا ما تتلوا الشياطين» أي تلت وقوله تعالى «رسول» بدل من البينة عبر عنه عليه السلام بالبينة للإيذان بغاية ظهور أمره وكونه ذلك الموعود في الكتابين وقوله تعالى «من الله» متعلق بمضمر هو صفة لرسول مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي رسول وأي رسول كائن منه تعالى وقوله تعالى «يتلو» صفة أخرى له أو حال من الضمير في متعلق الجار «صحفا مطهرة» أي منزهة عن الباطل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أو من أن يمسه غير المطهرين ونسبة تلاوتها إليه عليه
(١٨٤)