تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ٤٩
بسم الله الرحمن الرحيم «يا أيها المزمل» أي المتزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاء وقد قرىء على الأصل وقرئ المزمل من زمله مبنيا للمفعول ومبنيا للفاعل قيل خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم تهجينا لما كان عليه من الحالة حيث كان عليه الصلاة والسلام متلففا بقطيفة مستعد للنوم كما يفعله من لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن فأمر بأن يترك التزمل إلى التشمر للعبادة والهجود إلى التهجد وقيل دخل عليه الصلاة والسلام على خديجة وقد جئث فرقا أول ما أتاه جبريل عليهما السلام وبوادره ترعد فقال زملوني زملوني فحسب أنه عرض له فبينا هو على ذلك إذ ناداه جبريل فقال يا أيها المزمل فيكون تخصيص وصف التزمل بالخطاب للملاطفة والتأنيس كما في قوله عليه الصلاة والسلام لعلى رضى الله عنه حين غاضب فاطمة رضي الله عنها فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب قم يا أبا تراب ملاطفة وإشعارا بأنه غير عاتب عليه وقيل المعنى يا أيها الذي زمل أمرا عظيما هو أمر النبوة أي حمله والزمل الحمل وازدمله أي احتمله فالتعرض للوصف حينئذ للإشعار بعليته للقيام أو للأمر به فإن تحميله عليه الصلاة والسلام لأعباء النبوة مما يوجب الإجتهاد في العبادة «قم الليل» أي قم إلى الصلاة وانتصاب الليل على الظرفية وقيل القيام مستعار للصلاة ومعنى قم صل وقرئ بضم الميم وفتحها «إلا قليلا» استثناء من الليل وقوله تعالى نصفه بدل من الليل الباقي بعد الثنيا بدل الكل أي قم نصفه والتعبير عن النصف المخرج بالقليل لإظهار كمال الاعتداد بشأن الجزء المقارن للقيام والإيذان بفضله وكون القيام فيه بمنزلة القيام في أكثره في كثرة الثواب واعتبار قلته بالنسبة إلى الكل مع عرائه عن الفائدة خلاف الظاهر «أو انقص منه» أي انقص القيام من النصف المقارن له في الصورة الأولى
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة