تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ٢١٦
سورة الناس مكية مختلف فيها وآياتها ست بسم الله الرحمن الرحيم «قل أعوذ» وقرئ في السورتين بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام «برب الناس» أي مالك أمورهم ومربيهم بإفاضة ما يصلحهم ودفع ما يضرهم وقوله تعالى «ملك الناس» عطف بيان جيء به لبيان أن تربيته تعالى إياهم ليست بطريق تربية سائرا لملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والتصرف الكلي والسلطان القاهر وكذا قوله تعالى «إله الناس» فإنه لبيان أن ملكه تعالى ليس بمجرد الاستيلاء عليهم والقيام بتدبير أمورهم وسياستهم والتولي لترتيب مبادئ حفظهم وحمايتهم كما هو قصارى أمر الملوك بل هو بطريق المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي فيهم إحياء وإماتة وإيجادا وإعداما وتخصيص الإضافة بالناس مع انتظام جميع العالمين في سلك ربوبيته تعالى وملكوتيته وألوهيته للإرشاد إلى منهج الاستعاذة المرضية عنده تعالى الحقيقة بالإعاذة فإن توسل العائذ بربه وانتسابه إليه تعالى بالمربوبية والمملوكية والعبودية في ضمن جنس هو فرد من أفراده من دواعي مزيد الرحمة والرأفة وأمره تعالى بذلك من دلائل الوعد الكريم بالإعاذة لا محالة ولأن المستعاذ منه شر الشيطان المعروف بعداوتهم ففي التنصيص على انتظامهم في سلك عبوديته تعالى وملكوته رمز إلى إنجائهم من ملكة الشيطان وتسلطه عليهم حسبما ينطق به قوله تعالى «إن عبادي ليس لك عليهم سلطان» فمن جعل مدار تخصيص الإضافة مجرد كون الاستعاذة من المضار المختصة بالنفوس البشرية فقد قصر في توفية المقام حقه وأما جعل المستعاذ منه فيما سبق المضار البدنية فقد عرفت حاله وتكرير المضاف إليه لمزيد الكشف والتقرير والتشريف بالإضافة «من شر الوسواس» هو اسم بمعنى الوسوسة وهي الصوت الخفي كالزلزال بمعنى
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة