سورة العلق مكية وأيها تسع عشرة بسم الله الرحمن الرحيم «اقرأ» أي ما يوحى إليك فإن الأمر بالقراءة يقتضي المقروء قطعا وحيث لم يعين وجب أن يكون ذلك ما يتصل بالأمر حتما سواء كانت السورة أول ما نزل أولا والأقرب أن هذا إلى قوله تعالى «ما لم يعلم» أول ما نزل عليه عليه الصلاة والسلام كما ينطق به حديث الزهر المشهور وقوله تعالى «باسم ربك» متعلق بمضمر هو حال من ضمير الفاعل أي إقرأ ملتبسا باسمه تعالى أي مبتدئا به لتتحقق مقارنته لجميع أجزاء المقروء والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال اللائق شيئا فشيئا مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام للإشعار بتبليغه عليه السلام إلى الغاية القاصية من الكمالات البشرية بإنزال الوحي المتواتر ووصف الرب بقوله تعالى «الذي خلق» لتذكير أول النعماء الفائضة عليه عليه الصلاة والسلام منه تعالى والتنبيه على أن من قدر على خلق الإنسان على ما هو عليه من الحياة وما يتبعها من الكمالات العلمية والعملية من مادة لم تشم رائحة الحياة فضلا عن سائر الكمالات قادر على تعليم القراءة للحي العالم المتكلم أي الذي أنشأ الخلق واستأثر به أو خلق كل شيء وقوله تعالى «خلق الإنسان» على الأول تخصيص لخلق الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لاستقلاله ببدائع الصنع والتدبير وعلى الثاني إفراد للإنسان من بين سائر المخلوقات بالبيان وتفخيم لشأنه إذ هو أشرفهم وإليه التنزيل وهو المأمور بالقراءة ويجوز أن يراد بالفعل الأول أيضا خلق الإنسان ويقصد بتجريده عن المفعول الإبهام ثم التفسير روما لتفخيم فطرته وقوله تعالى «من علق» أي دم جامد لبيان كمال قدرته تعالى بإظهار ما بين حالته الأولى والآخرة من التباين البين وإيراده بلفظ الجمع بناء على أن الإنسان في معنى الجمع لمراعاة الفواصل ولعله هو السر في تخصيصه بالذكر من بين سائر أطوار الفطرة الإنسانية مع كون النطفة والتراب أدل منه على كمال القدرة لكونهما أبعد منه بالنسبة إلى الإنسانية ولما كان خلق الإنسان أول النعم الفائضة عليه عليه الصلاة والسلام منه تعالى
(١٧٧)