الغفلة أمرا جبليا لهم جعل الخبر الأول ظرفا منبئا عن الاستقرار بخلاف الإعراض والجملة حال من الناس وقد جوز كون الظرف حالا من المستكن في معرضون «ما يأتيهم من ذكر» من طائفة نازلة من القرآن تذكرهم ذلك أكمل تذكير وتنبههم عن الغفلة أتم تنبيه كأنها نفس الذكر ومن في قوله تعالى «من ربهم» لابتداء الغاية مجازا متعلقة بيأتيهم أو بمحذوف هو صفة لذكر وأياما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه وكمال شناعة ما فعلوا به والتعرض لعنوان الربوبية لتشديد التشنيع «محدث» بالجر صفة لذكر وقرئ بالرفع حملا على محله أي محدث تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة وقوله تعالى «إلا استمعوه» استثناء مفرغ محله النصب على أنه حال من مفعول يأتيهم بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور وقوله تعالى «وهم يلعبون» حال من فاعل استمعوه وقوله تعالى «لاهية قلوبهم» إما حال أخرى منه أومن واو يلعبون والمعنى ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث في حال من الأحوال إلا حال استماعهم إياه لاعبين مستهزئين به لاهين عنه أو لاعبين به حال كون قلوبهم لاهية عنه لتناهي غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر في الأمور والتفكر في العواقب وقرئ لاهية بالفرع على أنه خبر بعد خبر «وأسروا النجوى» كلام مستأنف مسوق لبيان جناياتهم خاصة إثر حكاية جناياتهم المعتادة والنجوى اسم من التناجي ومعنى إسرارها مع أنها لا تكون إلا سرا أنهم بالغوا في إخفائها أو أسروا نفس التناجي بحيث لم يشعر أحد بأنهم متناجون وقوله تعالى «الذين ظلموا» بدل من واو أسروا منبىء عن كونهم موصوفين بالظلم الفاحش فيما أسروا به أو هو مبتدأ خبره أسروا النجوى قدم عليه اهتماما به والمعنى هم أسروا النجوى فوضع الموصول موضع الضمير تسجيلا على فعلهم بكونه ظلما أو منصوب على الذم وقوله تعالى «هل هذا إلا بشر مثلكم» الخ في حيز النصب على أنه مفعول لقول مضمر هو جواب عن سؤال نشأ عما قبله كأنه قيل ماذا قالوا في نجواهم فقيل قالوا هل هذا الخ أو بدل من أسروا أو معطوف عليه أو على أنه بدل من النجوى أي أسروا هذا الحديث وهل بمعنى النفي والهمزة في قوله تعالى «أفتأتون السحر» للانكار والفاء للعطب على مقدر يقتضيه المقام وقوله تعالى «وأنتم تبصرون» حال من فاعل تأتون مقررة للانكار ومؤكدة للاستبعاد والمعنى ما هذا إلا بشر مثلكم أي من جنسكم وما أتى به سحر أتعلمون ذلك فتأتونه وتحضرونه على وجه الاذعان والقبول وأنتم تعاينون أنه سحر قالوه بناء على ما ارتكز في اعتقادهم الزائغ أن الرسول لا يكون إلا ملكا وأن كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحر وزل عنهم أن ارسال البشر إلى عامة البشر هو الذي تقتضيه الحكمة التشريعية قاتلهم الله أنى يؤفكون وإنما أسروا ذلك لأنه كان على طريق توثيق العهد وترتيب مبادى الشر والفساد وتمهيد مقدمات المكر والكيد في هدم أمر النبوة وإطفاء نور الدين والله
(٥٤)