متم نوره ولو كره الكافرون (قال ربي يعلم القول في السماء والأرض) حكاية من جهته تعالى لما قله عليه السلام بعد ما أوحي إليه أحوالهم وأقوالهم بيانا لظهور أمرهم وانكشاف سرهم وإيثار القول المنتظم للسر والجهر على السر لإثبات علمه تعالى بالسر على النهج البرهاني مع ما فيه من الإيذان بأن علمه تعالى بالسر والجهر على وتيرة واحدة لا تفاوت بينهما بالجلاء والخفاء قطعا كما في علوم الخلق وقرئ قل ربي الخ وقوله تعالى في السماء والأرض متعلق بمحذوف وقع حالا من القول أي كائنا في السماء والأرض وقوله تعالى «وهو السميع العليم» أي المبالغ في العلم بالمسموعات والمعلومات التي من جملتها ما أسروه من النجوى فيجازيهم بأقوالهم وأفعالهم اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله متضمن للوعيد (بل قالوا أضغاث أحلام) إضراب من جهته تعالى وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية قول آخر مضطرب في مسالك البطلان أي لم يقتصروا على أن يقولوا في حقه عليه السلام هل هذا إلا بشر وفى حق ما ظهر على يده من القرآن الكريم إنه سحر بل قالوا تخاليط الأحلام ثم أضربوا عنه فقالوا (بل افتراه) من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل أو شبه أصل ثم قالوا (بل هو شاعر) وما أتى به شعر يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها وهكذا شأن المبطل المحجوج متحير لا يزال يتردد بين باطل وأبطل ويتذبذب بين فاسد وأفسد فالاضراب الأول كما ترى من جهته تعالى والثاني والثالث من قبلهم وقد قيل الكل من قبلهم حيث أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام ثم إلى أنه كلام مفترى ثم إلى أنه قول شاعر ولا ريب في أنه كان ينبغي حينئذ بأن قال قالوا بل أضغاث أحلام والاعتذار بأن بل قالوا مقول لقالوا المضمر قبل قوله تعالى هل هذا إلا بشر الخ كأنه قيل وأسرو النجوى قالوا هل هذا إلى قوله بل أضغاث أحلام وإنما صرح بقالوا بعد بل لبعد العهد مما يجب ننزيه ساحة التنزيل عن أمثاله (فليأتنا بآية) جواب شرط محذوف يفصح عنه السياق كأنه قيل وإن لم يكن كما قلنا بل كان رسولا من الله تعالى فليأتنا بآية (كما أرسل الأولون) أي مثل الأية التي أرسل بها الأولون كا ليد والعصا ونظائرهما حتى نؤمن به فما موصولة ومحل الكاف الجر على أنها صفة لآية ويجوز أن تكون مصدرية فالكاف منصوبة على أنها مصدر تشبيهي أي نعت لمصدر محذوف إي فليأتنا بآية إتيانا كائنا مثل إرسال الأولين بها وصحة التشبيه من حيث إن الإتيان بالآية من فروع الارسال بها إلى مثل إتيان مترتب على الإرسال ويجوز أن يحمل النظم الكريم على أنه أريد كل واحد من الإتيان والارسال في كل واحد من طرفي التشبيه لكنه ترك في جانب المشبه ذكر الإرسال وفى جانب المشبه به ذكر الاتيان اكتفاء بما ذكر في كل موطن عما ترك في الموطن الآخر حسبما مر في آخر سورة يونس عليه السلام (ما آمنت قبلهم من قرية) كلام مستأنف مسوق لتكذيبهم فيما تنبىء عنه خاتمة مقالهم من الوعد
(٥٥)