«غضبان أسفا» لا باعتبار نفسه وإن كانت داخلة عليه حقيقة فإن كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الإخبار بالفتنة كما إذا قلت شايعت الحجاج ودعوت لهم بالسلامة فرجعوا سالمين فإن أحدا لا يرتاب في أن المراد رجوعهم المعتاد لا رجوعهم إثر الدعاء وأن سببية الدعاء باعتبار وصف السلامة لا باعتبار نفس الرجوع والأسف الشديد الغضب وقيل الحزين «قال» استئناف مبني على سؤال ناشيء من حكاية رجوعه كذلك كأنه قيل فماذا فعل بهم فقيل قال «يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا» بأن يعطيكم التوراة فيها ما فيها من النور والهدى والهمزة لإنكار عدم الوعد ونفيه وتقرير وجوده على أبلغ وجه وآكدة أي وعدكم بحيث لا سبيل لكم إلى إنكاره والفاء في قوله تعالى «أفطال عليكم العهد» أي الزمان للعطف على مقدر والهمزة لإنكار المعطوف ونفيه فقط أي أوعدكم ذلك فطال زمان الإنجاز فأخطأتم بسبيه «أم أردتم أن يحل» أي يجب «عليكم غضب» شديد لا يقادر قدره كائن «من ربكم» أي من مالك أمركم على الإطلاق «فأخلفتم موعدي» أي وعدكم إياي بالثبات على ما أمرتكم به إلى أن أرجع من الميقات على إضافة المصدر إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبيح حالهم فإن إخلافهم الوعد الجاري فيما بينهم وبينه عليه السلام من حيث إضافته إليه عليه السلام أشنع منه من حيث إضافته إليهم والفاء لترتيب ما بعدها على كل واحد من شقي الترديد على سبيل البدل كأنه قيل أنسيتم الوعد بطول العهد فأخلفتموه خطأ أم أردتم حلول الغضب عليكم فأخلفتموه عمدا وأما جعل الموعد مضافا إلى فاعله وحمل إخلافه على معنى وجدان الخلف فيه أي فوجدتم الخلف في موعدي لكم بالعود بعد الأربعين فما لا يساعده السباق ولا السياق أصلا «قالوا ما أخلفنا موعدك» أي وعدنا إياك الثابت على ما أمرتنا به وإيثاره على أن يقال موعدنا على إضافة المصدر إلى فاعله لما مر آنفا «بملكنا» أي بأن ملكنا أمورنا يعنون أنا لو خلينا وأمورنا ولم يسول لنا السامري ما سوله مع مساعدة بعض الأحوال لما أخلفناه وقرئ بملكنا بكسر الميم وضمها والكل لغات في مصدر ملكت الشيء «ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم» استدراك عما سبق واعتذار عما فعلوا ببيان منشأ الخطأ وقرئ حلمنا بالتخفيف أي حملنا أحمالا من حلي القبط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس وقيل كانوا استعاروها لعبد كان لهم ثم لم يردوها إليهم عند الخروج مخافة أن يقفوا على أمرهم وقيل هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوها ولعل تسميتهم لها أوزارا لأنها تبعات وآثام حيث لم تكن الغنائم تحل حينئذ «فقذفناها» أي في النار رجاء للخلاص عن ذنبها «فكذلك» أي فمثل ذلك القذف «ألقى السامري» أي ما كان معه منها وقد كان أراهم أنه أيضا يلقى ما كان معه من الحلي فقالوا ما قالوا على زعمهم وإما كان الذي ألقاه التربة التي أخذها من أثر الرسول كما سيأتي روى أنه قال لهم إنما تأخر موسى عنكم لما معكم من الأوزار فالرأي أن نحفر
(٣٥)