الموصوف وهي كل ما استقام من الأعمال بدليل العقل والنقل «فأولئك» إشارة إلى من والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد في الفعلين السابقين باعتبار لفظها وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم أي فأولئك المؤمنون العاملون للصالحات «لهم» بسبب إيمانهم وأعمالهم الصالحة «الدرجات العلى» أي المنازل الرفيعة وليس فيه ما يدل على عدم اعتبار الإيمان المجرد عن العمل الصالح في استتباع الثواب لأن ما نيط بالإيمان المقرون بالأعمال الصالحة هو الفوز بالدرجات العلى لا بالثواب مطلقا وهل التشاجر إلا فيه «جنات عدن» بدل من الدرجات العلى أو بيان وقد مر أن عدنا علم لمعنى الإقامة أو لأرض الجنة فقوله تعالى «تجري من تحتها الأنهار» حال من الجنات وقوله تعالى «خالدين فيها» حال من الضمير في لهم والعامل معنى الاستقرار أو الإشارة «وذلك» إشارة إلى ما أتيح لهم من الفوز بما ذكر من الدرجات العلى ومعنى البعد لما مر من التفخيم «جزاء من تزكى» أي تطهر من دنس الكفر والمعاصي بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة وهذا تحقيق لكون ثوابه تعالى أبقى وتقديم ذكر حال المجرم للمسارعة إلى بيان أشدية عذابه ودوامه ردا على ما ادعاه فرعون بقوله أينا أشد عذابا وأبقى هذا وقد قيل هذه الآيات الثلاث ابتداء كلام من الله عز وجل قالوا ليس في القرآن أن فرعون فعل بأولئك المؤمنين ما أوعدهم به ولم يثبت في الأخبار «ولقد أوحينا إلى موسى» حكاية إجمالية لما انتهى إليه أمر فرعون وقومه وقد طوى في البين ذكر ما جرى عليهم من الآيات المفصلات الظاهرة على يد موسى عليه الصلاة والسلام بعد ما غلب السحرة في نحو من عشرين سنة حسبما فصل في سورة الأعراف وتصديرها بالقسم لإبراز كمال العناية بمضمونها وأن في قوله تعالى «أن أسر بعبادي» إما مفسرة لأن الوحي فيه معنى القول أو مصدرية حذف عنها الجار والتعبير عنهم بعنوان كونهم عبادا له تعالى لإظهار المرحمة والاعتناء بأمرهم والتنبيه على غاية قبح صنيع فرعون بهم حيث استعبدهم وهم عباده عز وجل وفعل بهم من فنون الظلم ما فعل أي وبالله لقد أوحينا إليه عليه الصلاة والسلام أن أسر بعبادي الذين أرسلتك لإنقاذهم من ملكة فرعون أي سربهم من مصر ليلا «فاضرب لهم» أي فاجعل أو فاتخذ لهم «طريقا في البحر يبسا» أي يابسا على أنه مصدر وصف به الفاعل مبالغة وقرئ يبسا وهو إما مخفف منه أو وصف كصعب أو جمع يابس كصحب وصف به الواحد للمبالغة أو لتعدده حسب تعدد الأسباط «لا تخاف دركا» حال من المأمور رأى آمنا من أن يدرككم العدو أو صفة أخرى لطريقا والعائد محذوف وقرئ لا تخف جوابا للأمر «ولا تخشى» عطف على لا تخاف داخل في حكمه أي ولا تخشى الغرق وعلى قراءة الجزم استئناف أي وأنت لا تخشى أو عطف عليه والألف للإطلاق كما في قوله تعالى وتظنون بالله الظنونا وتقديم نفي الخوف المذكور للمسارعة إلى إزاحة
(٣١)