«أفعصيت أمري» اي بالصلابة في الدين والمحاماة عليه فإن قوله له عليهما السلام اخلفني متضمن الأمر بهما حتما فإن الخلافة لا تتحقق إلا بمباشرة الخليفة ما كان يباشره المستخف لو كان حاضرا والهمزة للإنكار التوبيخي والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي ألم تتبعني أو أخالفتني فعصيت أمري «قال يا ابن أم» خص الأم بالإضافة استعظاما لحقها وترقيقا لقلبه لا لما قيل من أنه كان أخاه لأم فإن الجمهور على أنهما كانا شقيقين «لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي» أي ولا بشعر رأسي روى أنه عليه السلام أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله من شدة غيظه وفرط غضبه لله وكان عليه السلام حديدا متصلبا في كل شيء فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل ففعل ما فعل وقوله تعالى «إني خشيت» الخ استئناف سيق لتعليل موجب النهي ببيان الداعي إلى ترك المقاتلة وتحقيق أنه غير عاص لأمره بل ممتثل به أي إني خشيت لو قاتلت بعضهم بعض وتفانوا وتفرقوا «أن تقول فرقت بين بني إسرائيل» برأيك مع كونهم أبناء واحد كما ينبأ عنه ذكرهم بذلك العنوان دون القوم ونحوه وأراد عليه السلام بالتفريق ما يستتبعه القتال من التفريق الذي لا يرجى بعده الاجتماع «ولم ترقب قولي» يريد به قوله عليه السلام اخلفني في قومي وأصلح الخ يعني إني رأيت أن الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم إلى أن ترجع إليهم فلذلك استأنيتك لتكون أنت المتدارك للأمر حسبما رأيت لا سيما وقد كانوا في غاية القوة ونحن على القلة والضعف كما يعرب عنه قوله تعالى إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني قال استئناف وقع جوابا عما نشأ من حكاية ما سلف من اعتذار القوم بإسناد الفساد إلى السامري واعتذار هارون عليه السلام كأنه قيل فماذا صنع موسى عليه السلام بعد سماع ما حكى من الاعتذارين واستقرار أصل الفتنة على السامري فقيل قال موبخا له هذا شأنهم «فما خطبك يا سامري» أي ما شأنك وما مطلوبك مما فعلت خاطبه عليه السلام بذلك ليظهر للناس بطلان كيده باعترافه ويفعل به وبما صنعه من العقاب ما يكون نكالا للمفتونين به ولمن خلفهم من الأمم قال أي السامري مجيبا له عليه السلام «بصرت بما لم يبصروا به» بضم الصاد فيما وقرئ بكسرها في الأول وفتحها في الثاني وقرئ بالتاء على الوجهين على خطاب موسى عليه السلام وقومه أي علمت ما لم يعلمه القوم وفطن لما لم يفطنوا له أو رأيت ما لم يروه وهو الأنسب بما سيأتي من قوله وكذلك سولت لي نفسي لا سيما على القراءة بالخطاب فإن ادعاء علم ما لم يعلمه موسى عليه السلام جرأة عظيمة لا تليق بشأنه ولا بمقامه بخلاف ادعاء رؤية ما لم يره
(٣٨)