القصص من فنون المعارف الربانية ونور قلبه بأنوار الملكات السبحانية الفائضة من عالم القدس وقرر بذلك فحوى ما نطق به قوله عز وجل وإنك لتلقي القرآن من لدن حكيم عليم أمره عليه الصلاة والسلام بأن يحمده تعالى على ما أفاض عليه من تلك النعم التي لا مطمع وراءها لطامع ولا مطمح من دونها لطامح ويسلم على كافة الأنبياء الذين من جملتهم الذين قصت عليه أخبارهم التي هي من جملة المعارف التي أوجبت إليه عليه الصلاة والسلام أداء لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين وقيل هو أمر للوط عليه السلام بأن يحمده تعالى على إهلاك كفرة قومه ويسلم على من اصطفاه بالعصمة عن الفواحش والنجاة عن الهلاك ولا يخفى بعده «آلله خير أما يشركون» أي آلله الذي ذكرت شؤونه العظيمة خير أم ما يشركونه به تعالى من الأصنام ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته تعالى وتسفيه آرائهم الركيكة والتهكم بهم إذ من البين أن ليس فيما أشركوه به تعالى شائبة خير ما حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من لا خير إلا خيره ولا إله غيره وقرئ تشركون بالتاء الفوقانية بطريق تلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكفرة وهو الأليق بما بعده من سياق النظم الكريم المبني على خطابهم وجعله من جملة القول المأمور به يأباه قوله تعالى فأنبتنا الخ فإنه صريح في أن التبكيت من قبله عز وجل بالذات وحمله على أنه حكاية منه عليه الصلاة والسلام لما أمر به بعبارته كما في قوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم تعسف ظاهر من غير داع إليه وأم في قوله تعالى «أم من خلق السماوات والأرض» منقطعة وما فيها من كلمة بل على القراءة الأولى للإضراب والانتقال من التبكيت تعريضا إلى التصريح به خطابا على وجه أظهر منه لمزيد التأكيد والتشديد وأما على القراءة الثانية فلتثنية التبكيت وتكرير الإلزام كنظائرها الآتية والهمزة لتقريرهم أي حملهم على الإقرار بالحق على وجه الاضطرار فإنه لا يتمالك أحد ممن له أدنى تمييز ولا يقدر على أن لا يعترف بخيرية من خلق جميع المخلوقات وأفاض على كل منها ما يليق به من منافعه من أخس تلك المخلوقات وأدناها بل بأن لا خير يرى فيه بوجه ممن الوجوه قطعا ومن مبتدأ خبره محذوف مع أم المعادلة للهمزة تعويلا على ما سبق في الاستفهام الأول خلا أن تشركون ههنا بتاء الخطاب على القراءتين معا وهكذا في المواضع الأربعة الآتية والمعنى بل أمن خلق قطري العالم الجسماني ومبدأي منافع ما بينهما «وأنزل لكم» التفات إلى خطاب الكفرة على القراءة الأولى لتشديد التبكيت والإلزام أي أنزل لأجلكم ومنعتكم «من السماء ماء» أي نوعا منه هو المطر «فأنبتنا به حدائق» أي بساتين محدقة ومحاطة بالحوائط «ذات بهجة» أي ذات حسن ورونق يبتهج به النظار «ما كان لكم» أي ما صح وما أمكن لكم «أن تنبتوا شجرها» فضلا عن ثمرها وسائر صفاتها البديعة خير أم ما تشركون وقرئ أمن بالتخفيف على أنه بدل من الله وتقديم صلتي الإنزال على مفعوله لما مر مرارا من التشويق إلى المؤخر والالتفات إلى التكلم في
(٢٩٣)