والجملة اعتراضية وضمير لها للقرى المدلول عليها بمفردها الواقع في حيز النفي على أن معنى أن للكل منذرين أعم من أن يكون لكل قرية منها منذر واحد أو أكثر «وما كنا ظالمين» فنهلك غير الظالمين وقيل الإنذار والتعبير عن ذلك بنفي الظالمية مع أنه إهلاكهم قبل الإنذار ليس بظلم أصلا على ما تقرر من قاعدة أهل السنة لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من الظلم وقد مر في سورة آل عمران عند قوله تعالى وأن الله ليس بظلام للعبيد «وما تنزلت به الشياطين» رد لما زعمه الكفرة في حق القرآن الكريم من أنه من قبيل ما يلقيه الشيطان على الكهنة بعد تحقيق الحق بيان أنه نزل به الروح الأمين «وما ينبغي لهم» أي وما يصح وما يستقيم لهم ذلك «وما يستطيعون» ذلك أصلا «إنهم عن السمع» لكلام الملائكة «لمعزولون» لانتفاء المشاركة بينهم وبين الملائكة في صفاء الذوات الاستعداد لقبول فيضان أنوار الحق والانتقاش بصور العلوم الربانية والمعارف النورانية كيف لا ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات غير مستعدة إلا لقبول ما لا خير فيه أصلا من فنون الشرور فمن أين لهم أن يحوموا حول القرآن الكريم المنطوي على الحقائق الرائقة الغيبية التي لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة عليهم الصلاة والسلام «فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين» خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم مع ظهور استحالة صدور المنهى عنه عنه صلى الله عليه وسلم تهييجا وحثا على ازدياد الإخلاص ولطفا لسائر المكلفين ببيان أن الإشراك من القبح والسوء بحيث ينهى عنه من لا يمكن صدوره عنه فكيف بمن عداه «وأنذر» العذاب الذي يستتبعه الشرك والمعاصي «عشيرتك الأقربين» الأقرب منهم فالأقرب فإن الاهتمام بشأنهم أهم روى أنه لما نزلت صعد الصفا وناداهم فحذا فخذا حتى اجتمعوا إليه فقال لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقي قالوا نعم قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد وروى أنه قال يا بنى عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف افتدوا أنفسكم من النار فإني لا أغنى عنكم شيئا ثم قال يا عائشة بنت أبي بكر ويا حفصة بنت عمر ويا فاطمة بنت محمد ويا صفية عمة محمد اشترين أنفسكن من النار فإني لا أغني عنكن شيئا «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين»
(٢٦٧)