لما أشعر به الأمر بالتقوى من التهديد «إن كنت من الصادقين» في دعواك ولم يكن طلبهم ذلك إلا لتصميمهم على الجحود والتكذيب وإلا لما أخطروه ببالهم فضلا أن يطلبوه «قال ربي أعلم بما تعملون» من الكفر والمعاصي وبما تستحقون بسببه من العذاب فسينزله عليكم في وقته المقدر له لا محالة «فكذبوه» أي فتموا على تكذيبه وأصروا عليه «فأخذهم عذاب يوم الظلة» حسبما اقترحوا أما إن أرادوا بالسماء السحاب فظاهر وأما إن أرادوا المظلة فلأن نزول العذاب من جهتها وفي إضافة العذاب إلى يوم الظلة دون نفسها إيذان بأن لهم يومئذ عذابا آخر غير عذاب الظلة وذلك بأن سلط الله عليهم الحر سبعة أيام ولياليها فأخذ بأنفاسهم لا ينفعه ظل ولا ماء ولا سرب فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا ونسيما فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا جميعا روى أن شعيبا عليه السلام بعث إلى أمتين أصحاب مدين وأصحاب الأيكة فأهلكت مدين بالصيحة والرجفة وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة «إنه كان عذاب يوم عظيم» أي في الشدة والهول وفظاعة ما وقع فيه من الطامة والداهية التامة «إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين» «وإن ربك لهو العزيز الرحيم» هذا آخر القصص السبع التي أوحيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصرفه صلى الله عليه وسلم عن الحرص على إسلام قومه وقطع رجائه عنه ودفع تحسره على فواته تحقيقا لمضمون ما مر في مطلع السورة الكريمة من قوله تعالى وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين فقد كذبوا بالحق الآية فإن كل واحدة من هذه القصص ذكر مستقل متجدد النزول قد أتاهم من جهته تعالى بموجب رحمته الواسعة وما كان أكثرهم مؤمنين بعد ما سمعوها على التفصيل قصة بعد قصة لا بأن يتدبروا فيها ويعتبروا بما في كل واحدة منها من الدواعي إلى الإيمان والزواجر عن الكفر والطغيان ولا بأن يتأملوا في شأن الآيات الكريمة الناطقة بتلك القصص على ما هي عليه مع علمهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يسمع شيئا منها من أحد أصلا واستمروا على ما كانوا عليه من الكفر والضلال كأن لم يسمعوا شيئا يزجرهم عن ذلك قطعا كما حقق في خاتمة قصة موسى عليه السلام «وإنه» أي ما ذكر من الآيات الكريمة الناطقة بالقصص المحكية أو القرآن الذي هي من جملته «لتنزيل رب العالمين» أي منزل من جهته تعالى سمى به مبالغة ووصفه تعالى بربوبية العالمين للإيذان بأن تنزيله من أحكام تربيته تعالى ورأفته للكل كقوله تعالى ومن أرسلناك إلا رحمة
(٢٦٣)