المشركين ونظائره مع ما فيه من الإيذان بكونه واجب الاحتراز عنه في الغاية حتى نهى عنه من لا يمكن تعاطيه أو نهيه عليه السلام عن حسبانه تعالى تاركا لعقابهم على طريقة العفو والتعبير عنه بذلك للمبالغة في النهي والإيذان بأن ذلك الحسبان بمنزلة حسبانه تعالى غافلا عن أعمالهم إذ العلم بذلك مستوجب لعقابهم لا محالة فتركه لو كان للغفلة عما يوجبه من أعمالهم الخبيثة وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعد له أكيد ووعيد للكفر وسائر الظالمين شديد أو لكل أحد ممن يستعجل عذابهم أو يتوهم إهمالهم للجهل بصفاته تعالى والاغترار بإمهاله وقيل معناه لا تحسبنه تعالى يعاملهم معاملة الغافل عما عملوا بل معاملة من يحافظ على أعمالهم يجازيهم بذلك نقيرا وقطميرا والمراد بالظالمين أهل مكة ممن عدت مساويهم من تبديل نعمة الله تعالى كفرا وإحلال قومهم دار البوار واتخاذ الأنداد كما يؤذن به التعرض لحكمه التأخير المنبىء عنه قوله تعالى قل تمتعوا الآية أو جنس الظالمين وهم داخلون في الحكم دخولا أولياء (إنما يؤخرهم) يمهلهم متمتعين بالحظوظ الدنياوية ولا يعجل عقوبتهم حسبما يشاهد وهو استئناف وقع تعليلا للنهي السابق أي دم على ما كنت عليه من عدم حسبانه تعالى غافلا عن أعمالهم ولا تحزن بتأخير ما تستوجبه من العذاب الأليم إذ تأخيره للتشديد والتغليظ أولا تحسبنه تعالى تاركا لعقوبتهم لما ترى من تأخيرها إنما ذلك لأجل هذا أولا ولا تحسبنه تعالى يعاملهم معاملة الغافل ولا يؤاخذهم بما عملوا لما ترى من التأخير إنما هو لهذه الحكمة وقرئ بالنون وإيقاع التأخير عليهم مع أن المؤخر إنما هو عذابهم لتهويل الخطب وتفظيع الحال ببيان أنهم متوجهون إلى العذاب مرصدون لأمر ما لا أنهم باقون باختيارهم وللدلالة على أن حقهم من العذاب هو الاستئصال بالمرة وأن لا يبقى منهم في الوجود عين ولا أثر وللإيذان بأن المؤخر له من جملة العذاب وعنوانه ولو قيل إنما يؤخر عذابهم الخ لما فهم ذلك (ليوم) هائل (تشخص فيه الأبصار) ترتفع ابصار أهل الموقف فيدخل في زمرتهم الكفرة المعهودون دخولا أوليا أي تبقى مفتوحة لا تتحرك أجفانهم من هول ما يرونه واعتبار عدم قرارها في أماكنها إما باعتبار الارتفاع الحسي في جرم العين وإما بجعل الصيغة من شخص من بلد إلى بلد وسار في الارتفاع (مهطعين) مسرعين إلى الداعي مقبلين عليه بالخوف والذل والخشوع أو مقبلين بأبصارهم عليه لا يقلعون عنه ولا يطرفون هيبة وخوفا وحيث كان إدامه النظر ههنا بالنظر إلى الداعي قيل (مقنعي رؤوسهم) أي رافعيها مع إدامة النظر من غير التفات إلى شيء قاله العتبى وابن عرفة أو ناكسيها ويقال أقنع رأسه أي طأطأها ونكسها فهو من الاضداد وهما حالان مما دل عليه الأبصار من أصحابها والثاني حال متداخلة من الضمير في الأول وإضافته غير حقيقية فلا ينافي الحالية (لا يرتد إليهم طرفهم) أي لا يرجع إليهم تحريك أجفانهم حسبما كان يرجع إليهم كل لحظة بل تبقى أعينهم مفتوحة لا تطرف أولا ترجع إليهم أجفانهم التي هي آلة الطرف فيكون إسناد الرجوع إلى الطرف مجازيا أو هو نفس الجفن قال الفيروزآبادي الطرف العين لا يجمع لأنه مصدر في الأصل أو اسم جامع للعين أولا يرجع نظرهم إلى أنفسهم فضلا عن أن يرجع إلى شيء آخر
(٥٥)