وأملتم بعيدا ولم تحدثوا أنفسكم بالانتقال منها إلى هذه الحالة وفيه إشعار بامتداد زمان التأخير وبعد مداه أو مالكم من زوال من هذه الدار إلى دار أخرى للجزاء كقوله تعالى وأقسموا بالله جهدا أيمانهم لا يبعث الله من يموت وصيغة الخطاب في جواب القسم لمراعاة حال الخطاب في أقسمتم كما في قوله حلف بالله ليخرجن وهو أدخل في التوبيخ من أن يقال مالنا مراعاة لحال المقسم ذكر البيهقي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله تعالى في اربع منها فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدا يقولون ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل فيجيبهم الله تعالى ذلكم بأنه إذا ادعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله تعالى الكبير ثم يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا فأرجعنا نعمل صالحا إنا موقنون فيجيبهم الله تعالى فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا الآية ثم يقولون ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل فيجيبهم الله تعالى أو لم تكونوا أقسمتم الآية ثم يقولون ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل فيجيبهم الله تعالى أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير فيقولون ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين فيجيبهم الله تعالى اخسئوا فيها ولا تكلمون فلا يتكلمون بعدها أبدا إن هو إلا زفير وشهيق وعند ذلك انقطع رجاؤهم وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض وأطبقت عليهم جهنم اللهم إنا بك نعوذ وبكنفك نلوذ عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك (وسكنتم) من السكنى بمعنى التبوؤوا لإيطان وإنما استعمل بكلمة في حيث قيل (في مساكن الذين ظلموا أنفسهم) جريا على الأصل لأنه منقول عن مطلق السكون الذي حقه التعدية بها أو من السكون واللبث أي قررتم في مساكنهم مطمئنين سائرين سيرتهم في الظلم والكفر والمعاصي غير محدثين لأنفسكم بما لقوا بسبب ما أجترحوا من الموبقات وفي إيقاع الظلم على أنفسهم بعد إطلاقه فيما سلف إيذان بأن غائلة الظلم آئلة إلى صاحبه والمراد بهم إما جميع من تقدم من الأمم المهلكة على تقدير اختصاص الاستمهال والخطاب السابق بالمنذرين وإما أوائلهم من قوم نوح وهود على تقدير عمومها للكل وهذا الخطاب وما يتلوه باعتبار حال أواخرهم (وتبين لكم) بمشاهدة الآثار وتواتر الأخبار (كيف فعلنا بهم) من الإهلاك والعقوبة بما فعلوا من الظلم والفساد وكيف منصوب بما بعده من الفعل وليس الجملة فاعلا لتبين كما قاله بعض الكوفيين بل فاعله ما دلت هي عليه دلالة واضحة أي فعلنا العجيب بهم وفيه من المبالغة ما ليس في أن يقال ما فعلنا بهم كما مر في قوله تعالى ليسجننه وقرئ وبين (وضربنا لكم الأمثال) أي بينا لكم في القرآن العظيم على تقدير اختصاص الخطاب بالمنذرين أو على ألسنة الأنبياء عليهم السلام على تقدير عمومه لجميع الظالمين صفات ما فعلوا وما فعل بهم من الأمور التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم لتعتبروا بها وتقيسوا أعمالكم على أعمالهم ومآلكم على مآلهم وتنتقلوا من حلول
(٥٧)