تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٥ - الصفحة ٥٨
العذاب العاجل إلى حلول العذاب الآجل فترتدعوا عما كنتم فيه من الكفر والمعاصي أو بينا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب والجمل الثلاث في موقع الحال من ضمير أقسمتم أي أقسمتم بالخلود والحال أنكم سكنتم في مساكن المهلكين بظلمهم وتبين لك فعلنا العجيب بهم ونبهنا كم على جلية الحال بضرب الأمثال وقوله عز وجل (وقد مكروا مكرهم) حال من الضمير الأول في فعلنا بهم أو من الثاني أو منهما جميعا وإنما قدم عليه قوله تعالى وضربنا لكم الأمثال لشدة ارتباطه بما قبله أي فعلنا بهم ما فعلنا والحال أنهم قد مكروا في إبطال الحق وتقرير الباطل مكرهم العظيم الذي استفرغوا في عمله المجهود وجاوزوا فيه كل حد معهود بحيث لا يقدر عليه غيرهم فالمراد بيان تناهيهم في استحقاق ما فعل بهم أو قد مكروا مكرهم المذكور في ترتيب مبادى البقاء ومدافعة أسباب الزوال فالمقصود إظهار عجزهم واضمحلال قدرتهم وحقارتها عند قدرة الله تعالى (وعند الله مكرهم) أي جزاء مكرهم الذي فعلوه على أن المكر مضاف إلى فاعله أو أخذه تعالى بهم على أنه مضاف إلى مفعوله وتسميته مكرا لكونه بمقابلة مكرهم وجودا وذكرا أو لكونه في صورة المكر في الإتيان من حيث لا يشعرون وعلى التقديرين فالمراد به ما أفاده قوله عز وجل كيف فعلنا بهم لا أنه وعيد مستأنف والجملة حال من الضمير في مكروا أي مكروا مكرهم وعند الله جزؤه أو ما هو أعظم منه والمقصود بيان فساد رأيهم حيث باشروا فعلا مع تحقق ما يوجب تركه (وإن كان مكرهم) في العظم والشدة (لتزول منه الجبال) أي وإن كان مكرهم في غاية المتانة والشدة وعبر عن ذلك بكونه مسوى ومعدا لإزالة الجبال عن مقارها لكونه مثلا في ذلك والجملة المصدرة بأن الوصلية معطوفة على جملة مقدرة والمعنى وعند الله جزاء مكرهم أو المكر الذي يحيق بهم إن لم يكن مكرهم لتزول منه الجبال وإن كان الخ وقد حذف ذلك حذفا مطردا لدلالة المذكور عليه دلالة واضحة فإن الشيء إذا تحقق عند وجود المانع القوى فلأن يتحقق عند عدمه أولى وعلى هذه النكتة يدور ما في إن الوصلية من التأكيد المعنوي والجواب محذوف دل عليه ما سبق وهو قوله تعالى وعند الله مكرهم وقيل إن نافية واللام لتأكيدها كما في قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وينصره وقراءة ابن مسعود رضي الله عنه وما كان مكرهم فالجملة حينئذ حال من الضمير في مكروا لا من قوله تعالى وعند الله مكرهم أي مكروا مكرهم والحال أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال على أنها عبارة عن آيات الله تعالى وشرائعه ومعجزاته الظاهرة على أيدي الرسل السالفة عليهم السلام التي هي بمنزلة الجبال الراسيات في الرسوخ وأما كونها عبارة عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأمر القرآن العظيم كما قيل فلا مجال له إذ الماكرون هم المهلكون لا الساكنون في مساكنهم من المخاطبين وإن خص الخطاب بالمنذرين وقيل هي مخففة من إن والمعنى إنه كان مكرهم ليزول منه ما هو كالجبال في الثبات مما ذكر من الآيات والشرائع والمعجزات والجملة كما هي حال من ضمير مكروا أي مكروا مكرهم المعهود وإن الشأن كان مكرهم لإزالة الآيات والشرائع على معنى أنه لم يكن يصح أن يكون منهم مكر كذلك وكان شأن الآيات والشرائع مانعا من مباشرة المكر
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الرعد 2
2 قوله تعالى: وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أ إنا لفي خلق جديد. 6
3 قوله تعالى: أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب. 16
4 قوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم و ظلها تلك عقبى الذين اتقوا. 25
5 سورة إبراهيم 30
6 قوله تعالى: قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض. 36
7 قوله تعالى: ألهم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. 45
8 الجزء الرابع عشر (سورة الحجر) قوله تعالى: الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين. 63
9 قوله تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم و أن عذابي هو العذاب الأليم. 80
10 (سورة النحل) قوله تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه. 94
11 قوله تعالى: وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة. 110
12 قوله تعالى: وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فارهبون. 119
13 قوله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا. 129
14 قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. 136
15 قوله تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها و توفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون. 144
16 الجزء الخامس عشر (سورة الإسراء) قوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. 154
17 قوله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. 166
18 قوله تعالى: وقل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم. 177
19 قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر والبحر و رزقناهم من الطيبات. 186
20 قوله تعالى: أولم يروا أن الله خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم. 197
21 (سورة الكهف) 202
22 قوله تعالى: وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين. 211
23 قوله تعالى: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب و حففناهما بنخل. 221
24 قوله تعالى: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم. 228
25 الجزء السادس عشر قوله تعالى: قال ألم أقل لك إنك تستطيع معي صبرا. 236
26 قوله تعالى: وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا. 247
27 (سورة مريم عليها السلام) 252
28 قوله تعالى: فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. 261
29 قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف تلقون غيا. 272