التوبيخ بإعلام أنهم شركاء لهم فيما ابتلوا به وتسلية لهم ويجوز أن يكون قوله سواء علينا الخ من كلام الفريقين على منوال قوله تعالى ذلك ليعلم أني لم أخنه ويؤيده ما روى أنهم يقولون تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون كذلك فلا ينفعهم فعند ذلك يقولون ذلك ولما كان عتاب الاتباع من باب الجزع ذيلوا جوابهم ببيان أن لا جدوى في ذلك فقالوا (ما لنا من محيص) من منجى ومهرب من العذاب من حاص الحمار إذا عدل بالفرار وهو إما اسم مكان كالمبيت والمصيف أو مصدر كالمغيب والمشيب وهي جملة مفسرة لإجمال ما فيه الاستواء فلا محل لها من الإعراب أو حال مؤكدة أو بدل منه (وقال الشيطان) الذي أضل كلا الفريقين واستتبعهما عند ما عتباه بما قاله الأتباع للمستكبرين (لما قضى الأمر) أي أحكم وفرغ منه وهو الحساب ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار خطيبا في محفل الأشقياء من الثقلين (إن الله وعدكم وعد الحق) أي وعدا من حقه أن ينجز فأنجزه أو وعدا أنجزه وهو الوعد بالبعث والجزاء (ووعدتكم) أي وعد الباطل وهوان لا بعث ولا جزاء ولئن كان فالأصنام شفعاؤكم ولم يصرح ببطلانه لما دل عليه قوله (فأخلفتكم) أي موعدي على حذف المفعول الثاني أي نقضته جعل وعده كالإخلاف منه كأنه كان قادرا على إنجازه وأنى له ذلك (وما كان لي عليكم من سلطان) أي تسلط أو حجة تدل على صدقي (إلا أن دعوتكم) إلا دعائي إياكم إليه وتسويله وهو وإن لم يكن من باب السلطان لكنه أبرزه في مبروزه على طريقة [تحية بينهم ضرب وجيع] مبالغة في نفي السلطان عن نفسه كأنه قال إنما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرد الدعاء من بابه ويجوز كون الاستثناء منقطعا (فاستجبتم لي) فأسرعتم إجابتي (فلا تلوموني) بوعدي إياكم حيث لم يكن ذلك على طريقة القسر والإلجاء كما يدل عليه الفاء وقرئ بالياء على وجه الالتفات كما في قوله تعالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم (ولوموا أنفسكم) حيث استجبتم لي باختياركم حين دعوتكم بلا حجة ولا دليل بمجرد تزيين وتسويل ولم تستجيبوا ربكم إذا دعاكم دعوة الحق المقرونة بالبينات والحجج وليس مراده التنصل عن توجه اللائمة إليه بالمرة بل بيان أنهم أحق بها منه وليس فيه دلالة على استقلال العبد في أفعاله كما زعمت المعتزلة بل يكفي في ذلك أن يكون لقدرته الكاسبة التي عليها يدور فلك التكليف مدخل فيه فإنه سبحانه إنما يخلق افعاله حسبما يختاره وعليه تترتب السعادة والشقاوة وما قيل من أنه يستدعى أن يقال فلا تلوموني ولا أنفسكم فإن الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه مبني على عدم الفرق بين مذهب أهل الحق وبين مسلك الجبرية (ما أنا بمصرخكم) أي بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب (وما أنتم بمصرخي) مما أنا فيه وإنما تعرض لذلك مع أنه لم يكن في حيز الاحتمال مبالغة في بيان عدم إصراخه إياهم وإيذانا بأنه
(٤٢)