عليهم صريحا وضمنه تذكير ما أصابهم قبل ذلك من الضراء ثم أمرهم ثانيا بذكر ما جرى من الله سبحانه من الوعد بالزيادة على تقدير الشكر والوعيد بالعذاب على تقدير الكفر والمراد بتذكير الأوقات تذكير ما وقع فيها من الحوادث مفصلة إذ هي محيطة بذلك فإذا ذكرت ذكر ما فيها كأنه مشاهد معاين (لئن شكرتم) يا بني إسرائيل ما خولتكم من نعمة الإنجاء وإهلاك العدو وغير ذلك من النعم والآلاء الفائتة للحصر وقابلتموه بالإيمان والطاعة (لأزيدنكم) نعمة إلى نعمة (ولئن كفرتم) ذلك وغمصتموه (إن عذابي لشديد) فعسى يصيبكم منه ما يصيبكم ومن عادة الكرام التصريح بالوعد والتعريض الوعيد فما ظنك بأكرم الأكرمين ويجوز أن يكون المذكور تعليلا للجواب المحذوف أي لأعذبنكم واللام في الموضعين موطئة للقسم وكل من الجوابين ساد مسد جوابي الشرط والقسم والجملة إما مفعول لتأذن لأنه ضرب من القول أو لقول مقدر بعده كأنه قيل وإذ تأذن ربكم فقال الخ (وقال موسى إن تكفروا) نعمه تعالى ولم تشكروها (أنتم) يا بني إسرائيل (ومن في الأرض) من الخلائق (جميعا فإن الله لغني) عن شكركم وشكر غيركم (حميد) مستوجب للحمد بذاته لكثرة ما يوجبه من أياديه وإن لم يحمده أحد أو محمود يحمده الملائكة بل كل ذرة من ذرات العالم ناطقة بحمده والحمد حيث كان بمقابلة النعمة وغيرها من الفضائل كان أدل على كماله سبحانه وهو تعليل لما حذف من جواب إن أي إن تكفروا لم يرجع وباله إلا عليكم فإن الله تعالى لغني عن شكر الشاكرين ولعله عليه الصلاة والسلام إنما قاله عند ما عاين منهم دلائل العناد ومخايل الإصرار على الكفر والفساد وتيقن أنه لا ينفعهم الترغيب ولا التعريض بالترهيب أو قاله غب تذكيرهم من قول الله عز سلطانه وتحقيقا لمضمونه وتحذيرا لهم من الكفران ثم شرع في الترهيب بتذكير ما جرى على الأمم الخالية فقال (ألم يأتيكم نبأ الذين من قبلكم) ليتدبروا ما أصاب كل واحد من حزبي المؤمن والكافر فيقلعوا عماهم عليه من الشر وينيبوا إلى الله تعالى وقيل هو ابتداء كلام من الله تعالى خطابا للكفرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيختص تذكير موسى عليه الصلاة والسلام بما اختص ببني إسرائيل من السراء والضراء والأيام بالأيام الجارية عليهم فقط وفيه مالا يخفى من البعد وأيضا لا يظهر حينئذ وجه تخصيص تذكير الكفرة الذين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما أصاب أولئك المعدودين مع أن غيرهم أسوة لهم في الخلو قبل هؤلاء (قوم نوح) بدل من الموصول أو عطف بيان (وعاد) معطوف على قوم نوح (وثمود والذين من بعدهم) أي من هؤلاء المذكورين عطف عام على قوم نوح وما عطف
(٣٥)