تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٨٨
تعالى «ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس» الآية والتي في سورة بني إسرائيل وسورة الكهف وسورة طه من قوله تعالى «وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا» الآية أن سجود الملائكة إنما ترتب على الأمر التنجيزي الوارد بعد خلقه وتسويته ونفخ الروح فيه البتة كما يلوح به حكاية امتثالهم بعبارة السجود دون الوقوع الذي به ورد الأمر التعليقي ولكن ما في سورة الحجر من قوله عز وعلا «وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون» وما في سورة ص من قوله تعالى «إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين» إلى آخر الآية يستدعيان بظاهرهما ترتبه على ما فيهما من الأمر التعليقي من غير أن يتوسط بينهما شئ غير ما تفصح عنه الفاء الفصيحة من الخلق والتسوية ونفخ الروح فيه عليه السلام وقد روى عن وهب أنه كان السجود كما نفخ فيه الروح بلا تأخير وتأويل الآيات السابقة يحمل ما فيها من الأمر على حكاية الأمر التعليقي بعد تحقق المعلق به إجمالا فإنه حينئذ يكون في حكم التنجيز يأباه ما في سورة الأعراف من كلمة ثم المنادية بتأخر ورود الأمر عن التصوير المتأخر عن الخلق المتأخر عن الأمر التعليقي والاعتذار بحمل التراخي على الرتبى أو التراخي في الإخبار أو بأن الأمر التعليقي قبل تحقق المعلق به لما كان في عدم إيجاب المأمور به بمنزلة العدم جعل كأنه إنما حدث بعد تحققه فحكى على صورة التنجيز يؤدى بعد اللتيا واللتي إلى أن ما جرى بينه وبينهم عليهم السلام في شأن الخلافة وما قالوا فيه وما سمعوا إنما جرى بعد السجود المسبوق بمعرفة جلالة منزلته عليه السلام وخروج إبليس من البين باللعن المؤبد لعناده وبعد مشاهدتهم لذلك كله عيانا وهل هو إلا خرق لقضية العقل والنقل والالتجاء في التفصي عنه إلى تأويل نفخ الروح بحمله على ما يعم إفاضة ما به حياة النفوس التي من جملتها تعليم السماء تعسف ينبئ عن ضيق المجال فالذي يقتضيه التحقيق ويستدعيه النظر الأنيق بعد التصفح في مستودعات الكتاب المكنون والتفحص عما فيه من السر المخزون أن سجودهم له عليه السلام إنما ترتب على الأمر التنجيزي المتفرع على ظهور فضله عليه السلام المبنى على المجاورة المسبوقة بالإخبار بخلافته المنتظم جميع ذلك في سلك ما نيط به الأمر التعليقي من التسوية ونفخ الروح إذ ليس من قضيته وجوب السجود عقيب نفخ الروح فيه فإن الفاء الجزائية ليست بنص في وجوب وقوع مضمون الجزاء عقيب وجود الشرط من غير تراخ للقطع بعدم وجوب السعي عقيب النداء لقوله تعالى «إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا» الآية وبعدم وجوب إقامة الصلاة غب الاطمئنان لقوله تعالى «فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة» بل إنما الوجوب عند دخول الوقت كيف لا والحكمة الداعية إلى ورود ما نحن فيه من الأمر التعليقي أثر ذي أثير إنما هي حمل الملائكة عليهم السلام على التأمل في شأنه عليه السلام لتدبروا في أحواله طرا ويحيطوا بما لديه خبرا ويستفهموا ما عسى يستبهم عليهم في أمره عليه السلام لابتنائه على حكم أبيه وأسرار خفية طويت عن علومهم ويقفوا على جلية الحال قبل ورود الأمر التنجيزي وتحتم الامتثال وقد قالوا بحسب ذلك ما قالوا وعاينوا ما عاينوا وعدم نظم الأمر التنجيزي في سلك الأمور المذكورة في السورتين عند الحكاية لا يستلزم عدم انتظامه فيه عند وقوع المحكى كما أن عدم ذكر الأمر التعليقي عند حكاية الأمر التنجيزي
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271