تعلمون انها لا تفعل مثل افعاله كما في قوله تعالى «هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء» أو غير ذلك وحاصله تنشيط المخاطبين وحثهم على الانتهاء عما نهوا عنه هذا الذي يستدعيه عموم الخطاب في النهي بجعل المنهى عنه القدر المشترك المنتظم لإنشاء الانتهاء كما هو المطلوب من الكفرة وللثبات عليه كما هو شأن المؤمنين حسبما مر مثله في الامر واما صرف التقييد إلى نفس النهى فيستدعى تخصيص الخطاب بالكفرة لا محالة إذ لا يتسنى ذلك بطريق قصر النهى على حالة العلم ضرورة شمول التكليف للعالم والجاهل المتمكن من العلم بل انما يتأتى بطريق المبالغة في التوبيخ والتقريع بناء على ان تعاطى القبائح من العالمين بقبحها أقبح وذلك انما يتصور في حق الكفرة فمن صرف التقييد إلى نفس النهى مع تعميم الخطاب للمؤمنين أيضا فقد نأى عن التحقيق ان قلت أليس في تخصيصه بالكفرة في الامر والنهى خلاص من أمثال ما مر من التكلفات وحسن انتظام بين السباق والسياق إذ لا محيد في آية التحدي من تجريد الخطاب وتخصيصه بالكفرة لا محالة مع ما فيه من رباء محل المؤمنين ورفع شأنهم عن جبر الانتظام في سلك الكفرة والإيذان بأنهم مستمرون على الطاعة والعبادة حسبما مر في صدر السورة الكريمة مستغنون في ذلك عن الامر والنهى قلت بلى إنه وجه سرى ونهج سوى لا يضل من ذهب اليه ولا يزل من ثبت قدمه عليه فتأمل «وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا» شروع في تحقيق أن الكتاب الكريم الذي من جملته ما تلى من الآيتين الكريمتين الناطقتين بوجوب العبادة والتوحيد منزل من عند الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم كما ان ما ذكر فيهما من الآيات التكوينية الدالة على ذلك صادرة عنه تعالى لتوضيح اتصافه بما ذكر في مطلع السورة الشريفة من النعوت الجليلة التي من جملتها نزاهته عن أن يعتريه ريب ما والتعبير عن اعتقادهم في حقه بالريب مع انهم جازمون بكونه من كلام البشر كما يعرب عنه قوله تعالى ان كنتم صادقين إما للإيذان بأن أقصى ما يمكن صدوره عنهم وإن كانوا في غاية ما يكون من المكابرة والعناد هو الارتياب في شأنه وأما الجزم المذكور فخارج من دائرة الاحتمال كما أن تنكيره وتصديره بكلمة الشك للإشعار بأن حقه أن يكون ضعيفا مشكوك الوقوع وإما للتنبيه على أن جزمهم ذلك بمنزلة الريب الضعيف لكمال وضوح دلائل الأعجاز ونهاية قوتها وإنما لم يقل وإن ارتبتم فما نزلنا الخ لما أشير اليه فيما سلف من المبالغة في تنزيه ساحة التنزيل عن شائبه وقوع الريب فيه حسبما نطق به قوله تعالى لا ريب فيه والإشعار بأن ذلك ان وقع فمن جهتهم لا من جهته العالية واعتبار استقرارهم فيه وإحاطته بهم لا ينافي اعتبار ضعفه وقلته لما أن ما يقتضيه ذلك هو دوام ملابستهم به لا قوته وكثرته ومن في مما ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع صفة لريب وحملها على السببية ربما يوهم كونه محلا للريب في الجملة وحاشاه ذلك وما موصولة كانت أو موصوفة عبارة عن الكتاب الكريم لا عن القدر المشترك بينه وبين ابعاضه ليس معنى كونهم
(٦٣)