الله صلى الله عليه وسلم ولم ينظروا إلى آيات التوحيد المنصوبة في الآفاق والأنفس بعين التدبر وأصروا على ذلك بحيث لم يبق لهم احتمال الأرعواء عنه صاروا كفاقدي تلك المشاعر بالكلية وهذا عند مفلقي سحرة البيان من باب التمثيل البليغ المؤسس على تناسي التشبيه كما في قول من قال * ويصعد حتى يظن الجهول * بان له حاجة في السماء * لما ان المقدر في النظم في حكم الملفوظ لا من قبيل الاستعارة التي يطوي فيها ذكر المستعار له بالكلية حتى لو لم يكن هناك قرينة لحمل على المعنى الحقيقي كما في قول زهير * لدي أسد شاكي السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم * «فهم لا يرجعون» الفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها أي هم بسبب اتصافهم بالصفات المذكورة لا يعودون إلى الهدى الذي تركوه وضيعوه أو عن الضلالة التي اخذوها والآية نتيجة للتمثيل مفيدة لزيادة تهويل وتفظيع فإن قصارى امر التمثيل بقاؤهم في ظلمات هائلة من غير تعرض لمشعرى السمع والنطق ولاختلال مشعر الأبصار وقيل الضمير المقدر وما بعده للموصول باعتبار المعنى كالضمائر المتقدمة فالآية الكريمة تتمة للتمثيل وتكميل له بأن ما أصابهم ليس مجرد انطفاء نارهم وبقائهم في ظلمات كثيفة هائلة مع بقاء حاسة البصر بحالها بل اختلت مشاعرهم جميعا واتصفوا بتلك الصفات على طريقة التشبيه أو الحقيقة فبقوا جامدين في مكاناتهم لا يرجعون ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون وكيف يرجعون إلى ما ابتدأوا منه والعدول إلى الجملة الاسمية للدلالة على استمرار تلك الحالة فيهم وقرئ صما بكما عميا اما على الذم كما في قوله تعالى «حمالة الحطب» والمخصوص بالذم هم المنافقون أو المستوقدون واما على الحالية من الضمير المنصوب في تركهم أو المرفوع في لا يبصرون واما على المفعولية لتركهم فالضميران للمستوقدين «أو كصيب» تمثيل لحالهم اثر تمثيل ليعم البيان منها كل دقيق وجليل ويوفي حقها من التفظيع والتهويل فإن تفننهم في فنون الكفر والضلال وتنقلهم فيها من حال إلى حال حقيق بأن يضرب في شأنه الأمثال ويرخي في حلبته أعنة المقال ويمد لشرحه اطناب الاطناب ويعقد لأجله فصول وأبواب لما ان كل كلام له حظ من البلاغة وقسط من الجزالة والبراعة لا بد ان يوفي فيه حق كل من مقامي الإطناب والإيجاز فما ظنك بما في ذروة الإعجاز من التنزيل الجليل ولقد نعى عليهم في هذا التمثيل تفاصيل جناياتهم وهو عطف على الأول على حذف المضاف لما سيأتي من الضمائر المستدعية لذلك أي كمثل ذوي صيب وكلمة أو للإيذان بتساوي القصتين في الاستقلال بوجه التشبيه وبصحة التمثيل بكل واحدة منهما وبهما معا والصيب فيعل من الصوب وهو النزول الذي له وقع وتأثير يطلق على المطر وعلى السحاب قال الشماخ * عفا آية نسج الجنوب مع الصبا * وأسحم دان صادق الوعد صيب * ولعل الأول هو المراد ههنا لاستلزامه الثاني وتنكيره لما انه أريد به نوع منه شديد هائل كالنار في التمثيل الأول وأمد به ما فيه من المبالغات من جهة مادة الأولى التي هي الصاد المستعلية والياء المشددة والباء الشديدة ومادته
(٥٢)