تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٥٠
المذكور والأولى عطفها على اشتروا الخ «مثلهم» زيادة كشف لحالهم وتصوير لها غب تصويرها بصورة ما يؤدي إلى الخسار بحسب المآل بصورة ما يفضي إلى الخسار من حيث النفس تهويلا لها وإبانة لفظاعتها فإن التمثيل ألطف ذريعة إلى تسخير الوهم للعقل واستنزاله من مقام الاستعصاء عليه وأقوى وسيلة إلى تفهيم الجاهل الغبي وقمع سورة الجامع الأبي كيف لا وهو رفع الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية وإبراز لها في معرض المحسوسات الجلية وإبداء للمنكر في صورة المعروف وإظهار للوحشى في هيئة المألوف والمثل في الأصل بمعنى المثل والنظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم أطلق على القول السائر الذي يمثل مضربه بمورده وحيث لم يكن ذلك إلا قولا بديعا فيه غرابة صيرته جديرا بالتسيير في البلاد وخليقا بالقبول فيما بين كل حاضر وباد استعير لكل حال أو صفة أو قصة لها شأن عجيب وخطر غريب من غير أن يلاحظ بينها وبين شيء آخر تشبيه ومنه قوله عز وجل «ولله المثل الأعلى» أي الوصف الذي له شأن عظيم وخطر جليل وقوله تعالى «مثل الجنة التي وعد المتقون» أي قصتها العجيبة الشأن «كمثل الذي» أي الذين كما في قوله تعالى «وخضتم كالذي خاضوا» خلا أنه وحد الضمير في قوله تعالى «استوقد نارا» نظرا إلى الصورة وإنما جاز ذلك مع عدم جواز وضع القائم مقام القائمين لأن المقصود بالوصف هي الجملة الواقعة صلة له دون نفسه بل إنما هو وصلة لوصف المعارف بها ولأنه حقيق بالتخفيف لاستطالته بصلته ولذلك بولغ فيه فحذف ياؤه ثم كسرته ثم اقتصر على اللام في أسماء الفاعلين والمفعولين ولأنه ليس باسم تام بل هو كجزئه فحقه ان لا يجمع ويستوي فيه الواحد والمتعدد كما هو شأن أخواته وليس الذين جمعه المصحح بل النون فيه مزيدة للدلالة على زيادة المعنى ولذلك جاء بالياء أبدا على اللغة الفصيحة أو قصد به جنس المستوقد أو الفوج أو الفريق المستوقد والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق واشتقاقها من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطرابا واستيقادها طلب وقودها أي سطوعها وارتفاع لهبها وتنكيرها للتفخيم «فلما أضاءت ما حوله» الإضاءة فرط الإنارة كما يعرب عنه قوله تعالى «هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا» وتجيء متعدية ولازمة والفاء للدلالة على ترتبها على الاستيقاد أي فلما أضاءت النار ما حول المستوقد أو فلما أضاء ما حوله والتأنيث لكونه عبارة عن الأماكن والأشياء أو أضاءت النار نفسها فيما حوله على أن ذلك ظرف لإشراق النار المنزل منزلتها لا لنفسها أو ما مزيدة وحوله ظرف وتأليف الحول للدوران وقيل للعام حول لأنه يدور «ذهب الله بنورهم» النور ضوء كل نير واشتقاقه من النار والضمير للذي والجمع باعتبار المعنى أي أطفأ الله نارهم التي هي مدار نورهم وإنما علق الإذهاب بالنور دون نفس النار لأنه المقصود بالاستيقاد لا الاستدفاء ونحوه كما ينبئ عنه قوله تعالى «فلما أضاءت» حيث لم يقل فلما شب ضرامها أو نحو ذلك وهو جواب لما أو استئناف أجيب به عن سؤال سائل يقول
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271