تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٤٩
بهم فليس في إضاعتها فقط من الشناعة ما في إضاعتها مع مؤيدها من المؤيدات العقلية والنقلية على أن ذلك يقضي إلى كون ذكر ما فصل من أول السورة إلى هنا ضائعا وأبعد منه حمل اشتراء الضلالة بالهدى على مجرد اختيارها عليه من غير اعتبار كونه في أيديهم بناء على أنه يستعمل اتساعا في ايثار أحد الشيئين الكائنين في شرف الوقوع على الآخر فإنه مع خلوه عن المزايا المذكورة بالمرة مخل برونق الترشيح الآتي هذا على تقدير جعل الاشتراء المذكور عبارة عن معاملتهم السابقة المحكية وهو الأنسب بتجاوب أطراف النظم الكريم وأما إذا جعل ترجمة عن جناية أخرى من جناياتهم فالمراد بالهدى ما كانوا عليه من معرفة صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وحقيقة دينه بما كانوا يشاهدونه من نعوته عليه الصلاة والسلام في التوراة وقد كانوا على يقين منه حتى كانوا يستفتحون به على المشركين ويقولون اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته في التوراة ويقولون لهم قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وأرم فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به كما سيأتي ولا مساغ لحمل الهدى على ما كانوا يظهرونه عند لقاء المؤمنين فإنها ضلالة مضاعفة «فما ربحت تجارتهم» عطف على الصلة داخل في حيزها والفاء للدلالة على ترتب مضمونه عليها والتجارة صناعة التجار وهو التصدي للبيع والشراء لتحصيل الربح وهو الفضل على رأس المال يقال ربح فلان في تجارته أي أستشف فيها وأصاب الربح وأسناد عدمه الذي هو عبارة عن الخسران إليها وهو لأربابها بناء على التوسع المبني على ما بينهما من الملابسة وفائدته المبالغة في تخسيرهم لما فيه من الأشعار بكثرة الخسار وعمومه المستتبع لسرايته إلى ما يلابسهم وإيرادهما أثر الاشتراء المستعار للاستبدال المذكور ترشيح للاستعارة وتصوير لما فاتهم من فوائد الهدى بصورة خسار التجارة الذي يتحاشا عنه كل أحد للإشباع في التخسير والتخسير ولا ينافي ذلك أن التجارة في نفسها استعارة لانهماكهم فيما هم عليه من إيثار الضلالة على الهدى وتمرنهم عليه معربة عن كون ذلك صناعة لهم راسخة إذ ليس من ضروريات الترشيح أن يكون باقيا على الحقيقة تابعا للإستعارة لا يقصد به إلا تقويتها كما في قولك رأيت أسد وافي البراثن فإنك لا تريد به ألا زيادة تصوير للشجاع وأنه أسد كامل من غير أن تريد بلفظ البراثن معنى آخر بل قد يكون مستعار من ملائم المستعار منه لملائم المستعار له ومع ذلك يكون ترشيحا لأصل الاستعارة كما في قوله * فلما رأيت النسر عز ابن دأية * وعشش في وكريه جاش له صدري * فإن لفظ الوكرين مع كونه مستعارا من معناه الحقيقي الذي هو موضع يتخذه الطائر للتفريخ للرأس واللحية أو للفودين أعنى جانبي الرأس ترشيح باعتبار معناه الأصلي لاستعارة لفظ النسر للشيب ولفظ أبن داية للشعر الأسود وكذا لفظ التعشيش مع كونه مستعارا للحلول والنزول المستمرين ترشيح لتينك الاستعارتين بالاعتبار المذكور وقرئ تجارتهم وتعددها لتعدد المضاف إليهم «وما كانوا مهتدين» أي إلى طرق التجارة فإن المقصود منها سلامة رأس المال مع حصول الربح ولئن فات الربح في صفقة فربما يتدارك في صفقة أخرى لبقاء الأصل وأما إتلاف الكل بالمرة فليس من باب التجارة قطعا فهؤلاء الذين كان رأس مالهم الهدى قد استبدلوا بها الضلالة فأضاعوا كلتا الطلبتين فبقوا خائبين خاسرين نائين عن طريق التجارة بألف منزل فالجملة راجعة إلى الترشيح معطوفة على ما قبلها مشاركة له في الترتيب على الاشتراء
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271